مفهوم الولاء والانتماء
اللواء المتقاعد مروان العمد
26-10-2017 11:02 AM
اذكر انه في نهايات خدمتي العسكرية كلفت بإلقاء محاضرة امام عدد كبير من الحضور من العسكريين ذوي الرتب العليا حول الولاء والانتماء. وكان التكليف قبل دقائق من المحاضرة لعدم تمكن المحاضر الاصلي من القيام بذلك وكانت المحاضرة الاولى لي ودون تحضير واعداد مسبق.
وقد تحدثت في ذلك المساء لمده ساعتين عن مفهومي الولاء والانتماء . وسأتحدث اليوم وبشكل ملخص عما ذكرته في تلك المحاضرة والذي يعتمد على وجهة نظري الشخصية .
إن مفهومي للانتماء يتلخص بإحساس المواطن بمدى ارتباطه ببلده الذي يحمل جنسيته وعشقه ومحبته له بحلوه ومره ، وعلى الاغلب تُجمع الأغلبية العظمى من المواطنين على هذا الانتماء باستثناء قله قليلة تخرج عن هذا الاجماع.
اما الولاء فإن المواطنين قد تختلف به وحوله فهناك من هو موال للنظام في ذلك البلد وهم الذين يطلق عليهم الموالاة وهناك المعارضون لنظام حكمهم والذين يحملون افكارا وتصورات اخرى عن نظام الحكم وشخصية الحاكم وهم المعارضة . وعندما يكون الطرفان منتميين لهذا الوطن فإنه يتسع للموالاة وللمعارضة حيث ان كل منهما يقف في الموقف الذي يرى به مصلحة وطنه . ولكن عليهما العمل ضمن اطر القانون ومن غير الخروج عن الثوابت وألا تسود حالة الفوضى والاقتتال كما هو حاصل الآن في العديد من الدول العربية .
الا انه ولخصوصية وضعي الوظيفي ووضع الحضور الوظيفي فإن للموالاة عندي في هذه الحالة مفهوم واحد وهو الموالاة للنظام . ولا يعقل ان يكون اعضاء هذه الأجهزة موالين للمعارضة حيث انهم حراس للوطن وحراس للنظام وليس عليهم رسم سياسات البلد ولكن تنفيذها وحماية حدودها وضبط الامن فيها والا لتحولت البلد الى فوضى لا سمح الله وهذا المفهوم موجود في مختلف دول العالم ولكن الاختلاف هو بالسياسيين الذين يديرون النظام ومدى قربهم وبعدهم من تحقيق مطالب الشعب وعملهم على خدمته.
ويبقى الخيار للعاملين بهذه الأجهزة اما استمرارهم بالعمل بها او التخلي عن هذه المهمة اذا وجدوا أنفسهم اقرب للمعارضة او اذا وجدوا ان النظام ورجال السياسة في بلدهم لا يخدمون الشعب حسب قناعاتهم .
اما ان يستمر العاملون بهذه الأجهزة في عملهم الى ان يتم احالتهم على التقاعد فينزعوا عن انفسهم الثوب العسكري وثوب الموالاة ويرتدون ثوب المعارضة فهذا برأي ليست معارضه بل هي انتهازيه او بحث عن دور آخر يلعبونه .
اما بالنسبة لي وموقفي من الموالاة والمعارضة فقد كانت البداية معكوسة . فأنا من جيل اربعينيات القرن الماضي وممن عاشوا ظروف خمسينيات وستينيات هذا القرن ولغايه عام ١٩٧٠ والتي كان يسود فيها الخطاب الثورجي والشعارات القومية واليسارية والوحدة العربية وكنا نستمع للخطابات الحماسية ونصدقها ونهتف لقائليها. صحيح اني لم انتظم بأي حزب من الاحزاب ولكني كنت اقرب الى احدى التنظيمات الفدائية لتعلقي بشعار تحرير فلسطين. الى ان جاءت تلك السنة وجاءت معها فتنه الاقتتال الداخلي في الاردن بما عرف بأحداث ايلول حيث تغيرت الكثير من مفاهيمي ومواقفي .
ولذا ما ان اتيحت لي فرصه العمل بأحد الأجهزة الأمنية في بلدي مطلع عام ١٩٧٣ حتى بادرت لاستغلالها حيث تقدمت للوظيفة وتمت الموافقة على تعيني وصدرت الإرادة الملكية بذلك خلال اربع وعشرين ساعه لتكون اسرع عمليه تعيين في ذلك الجهاز .
ومن خلال عملي في هذا الجهاز تكشفت لي الكثير من الحقائق والمواقف وعرفت حقيقة من كنا في الامس القريب نهتف لهم ونطرب لشعاراتهم لأجد أنهم لا يساوون الا بضع دنانير او منصب او جاه زائل . ووجدتهم انهم تجاريبيعوننا كلاماً ويبيعوننا عند اول مشترٍ . وان الاعلى منهم صوتاً هو الارخص ثمناً.
ومن خلال عملي اصبحت اقرب للهاشميين ولجلاله المغفور له بإذن الله تعالى الحسين بن طلال والذي طالما كنا نلتقي به ويحدثنا بأسلوب الاخ لأخيه او الاب لأبنائه حسب عمر السامعين وبتواضع ومحبه جعلنا نتعلق بهذا النظام ونتعلق بهذا الوطن ومستعدين للدفاع عنه بالمهج والارواح . نصل الليل بالنهار في العمل اذا تطلب الامر ذلك دون كلل ولا ملل ودون امتيازات ولا خاوات ولا زعرنات .
صحيح انه كانت في بدايات تلك الفترة احكاماً عرفيه فرضها الواقع الذي كانت تعيشه المنطقة ولكن وللحق يقال ان المعتقلين عندنا لم يتحولوا الى ارقام ولم يمت احدهم تحت التعذيب ولم يحجب احداً منهم عن اهله وذويه ولم يحكم احدهم بالإعدام الا اذا كان على خلفية قضايا ارهابية ولم يكن الحكم ينفذ على الاغلب . ولم يسجن احد منهم لمدد طويلة بسبب معتقداته الفكرية والسياسية وكانت الغالبية العظمي من الموقوفين يتم إطلاق سراحهم بعد ايام من توقيفهم ودون محاكمات. وان كانت تفرض على بعضهم في بعض الاحيان بعض القيود المتعلقة بالسفر والعمل والتي انتهت مع عودة الديمقراطية للبلاد وبقرار ملكي عام ١٩٨٩ .
واستمر الحال على ذلك حتى السابع من شباط عام ١٩٩٩ حيث فجعنا جميعاً بوفاة جلالته بعد صراع مع المرض وشارك العالم كله في جنازته التي لم ولن يشهد التاريخ لها مثيلاً . وبعد ان ظننا ان المستقبل اصبح مجهولاً امامنا جاء نجله جلاله الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ليكمل المسيرة فقادها بنجاح واستطاع ان يقود دفه البلد بسلام وسط هذه الامواج العاتية المتلاطمة المدمرة . ولذا فقد كان انتمائي طوال سني عمري اردني وكان ولائي هاشمي منذ عملت في هذا الجهاز وحتى الممات بالرغم من اني اُحلت على التقاعد منذ اثني عشرة سنة وبعد خدمة ثلاث وثلاثين سنة خرجت بعدها من عملي بسمعتي الحسنة واستقامتي والحمد لله والتي يشهد عليها جميع من عملت معهم او تعاملت معهم بمن فيهم من حققت معهم ، وكثيراً ما التقي مع بعضهم في المناسبات فيتعرفون علي ويذكروني بأنفسهم وانني حققت معهم ويشهدون بحسن معاملتي لهم .
لا اقول هذا القول للتسويق لنفسي ولا للدعاية لها فلم يبق لي اي مطمح او مطمع ولا للمزاودة على احد لأنه ولله الحمد فهذه صفة معظم الاردنيين ، ولكن ليعرف الجميع لماذا اخشى على هذا الوطن وعلى هذا النظام في ايام اصبح كثير من الحق يراد به كثير من الباطل .
كم اخشى عليك يا وطني من عدو قاتل ومن صديق جاهل . كم أخشى عليك يا وطني من الوقوع ما بين المطرقة والسندان.