فوضى الجلسة الأخيرة تجسد المشهد النيابي بأسره
د. محمد أبو رمان
05-02-2009 05:52 AM
تعكس الجلسة الأخيرة لمجلس النواب الحالي في دورته العادية الثانية، التي اختتمت مساء أمس، الصورة التي أراد أن يتركها وراءه أمام الرأي العام الأردني: حالة من الفوضى والاضطراب، إقحام القضايا السياسية في الاعتبارات والحسابات الشخصية وإهدار وظيفة المجلس الحقيقية في التشريع والرقابة ومناقشة المصالح الوطنية العليا.
من الطبيعي أن تحدث ملاسنات ومناقشات حادة داخل مجلس النواب وأن تبرز الاختلافات السياسية بوضوح بين التوجهات المختلفة. لكن شتان حين يحدث ذلك داخل برلمان يمتلك رصيداً سياسياً شعبياً كبيراً ويشعر المواطنون أنه يؤدي أدواره وأن الخلافات هي على البرامج والرؤى، وحين يحدث ذلك داخل مجلس يلاحقه سؤال الشرعية ويفتقد الطابع السياسي، يعكس مصالح شخصية أو جهوية، فيما يعاني غالبية أعضائه من عدم امتلاك أية رؤية سياسية، فضلاً عن غياب البرامج الحزبية القادرة على تأطير المطالب والمصالح الشعبية.
الدلالة الأهم التي يمكن التقاطها هي لحظة إسدال الستارة على الجلسة الأخيرة حيث تخيم حالة الفوضى والارتباك تحت القبة. فهذه "الصورة الفوتوغرافية" الرمزية المعبرة تجسّد بدقة حالة المجلس اليوم.
هذا المجلس، باختصار، يعاني منذ الولادة من ضياع البوصلة والارتباك بين المرجعيات والحسابات الشخصية المتضاربة. وقد عكست "تركيبة المجلس" منذ البداية مصالح أطراف سياسية نافذة وحساباتها، بلا أي اعتبار للمصلحة الوطنية العليا التي تتمثل في وجود سلطة تشريعية معتبرة تؤدي أدوارها الدستورية المطلوبة في حدودها الدنيا.
كانت الانتخابات النيابية الأخيرة فرصة لإعادة الاعتبار لمكانة المجلس لدى الرأي العام، الذي تؤكد استطلاعات الرأي العام أنّ مصداقيته وقيمته السياسية تراجعت بصورة كبيرة، وأنّ كثيراً من المواطنين لم يشعروا بغيابه لمدة سنتين كاملتين (2001-2003) فيما لا تشعر أغلبية المواطنين أنّ المجلس قادر على القيام بمهماته التشريعية والرقابية المطلوبة.
القيمة السياسية الأبرز لتجربة المجلس الحالي أنّها أثبتت فشل الفرضيات التي جاء بهذا المجلس، سواء بالتركيز على قضايا خدماتية ومناطقية بدلاً من الواجبات السياسية الدستورية، أو خلق كتل كبيرة وصناعتها لتمثل اتجاهات غير موجودة في الواقع ولا تمتلك روافع اجتماعية وسياسية حقيقية، أو في سياق الصدام مع الحركة الإسلامية وبرنامجها الأيديولوجي الذي بات يقلق تياراً رسمياً عريضاً.
وأثبتت هذه التجربة، كذلك، أنّ البلاد تحتاج إلى مجلس نواب يمتلك حسّاً سياسياً، يمثل ألواناً مختلفة في المعادلة السياسية ويعكس رؤى متنوعة ومتعددة، تكون قادرة على تمثيل نسبة كبيرة من الشارع الأردني، بعد فترات "الغربة السياسية" التي باتت تصبغ علاقة مجلس النواب بالشارع.
الشروط التي جاء عليها المجلس الحالي انتهت، والفرضيات التي بنيت عليها التجربة سقطت، فضلاً عن تجذير "الصورة الشعبية" السلبية عن مجلس النواب وهو المؤسسة التشريعية في البلاد.
في المقابل، فإنّ تجربة انتخابات الجامعة الأردنية أثبتت أنّ التلويح المستمر بـ"البعبع الإسلامي" غير واقعي، وأنّ هنالك مساحات واسعة يمكن العمل فيها بعيداً عن منطق المغامرة السياسية، أو إلغاء السياسة نهائياً. فالحل يكمن في إدارة عملية انتخابية دقيقة تنتج مجلساً نيابياً متوازناً يؤدي مهامه بصورة أفضل، وتكون نقاشاته أكثر نضجاً، وفي المحصلة يعكس صورة أكثر عدالة عن التجربة السياسية الأردنية العريقة.
m.aburumman@alghad.jo