الأردن في كربة وخطر .. فلا تلوموا أحداً ولوموا أنفسكم
الدكتور موسى الرحامنة
24-10-2017 01:33 PM
بات الأردن أمام تحديات صعبة، تحديات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية، فقضية اللجوء تلقي بظلالها القاتمة على بلد لم تعد بنيته التحتية تستوعب هذا العدد الضخم، والازمة الاقتصادية التي تهدد الدولة الاردنية، وتكاد تخنقها بفعل سياسات الخصخصة والتحول الاقتصادي غير المنهجية، وسوء ادارة بعض المؤسسات الانتاجية الاستراتيجية، وارتفاع معدلات الفقر البطالة والتضخم، وارتفاع الأسعار كل هذه ملفات داخلية شائكة لم تزلْ دوائر صناعة القرار في الدولة تائهة ومترددة وواهنة في معالجتها والتصدي لها، وتعتمد اعتماداً كلياً في تصريف شؤون مرافق الدولة على ما تتلقاه من الهبات والمساعدات والمنح وجيوب المواطنين، ولسنا هنا بصدد الاجابة على سؤال من هو الذي أوصلنا الى هذه الحالة المتردية التي لا نُحسد عليها .
أما على صعيد ملف السياسة الخارجية، فما نراه هو تغييب مُتعَمّد لدور الأردن في قضايا كان يُشكل فيها المفتاح وقطب الرّحى، وعلى وجه الخصوص ما يجري من تطورات على صعيد القضية الفلسطينية، التي ظلت ولم تزلْ، تشكل أحد أهم أبجديات السياسة الأردنية الداخلية والخارجية، فالمصالحة الفلسطينية التي تمت مؤخراً بالروبوت المصري، وبتوجيه أمريكي اسرائيلي، وبتنسيق مع أقطاب الحداثة الجدد من الممولين العرب، واشادة رسمية فلسطينية بالدور المصري التي جاءت على لسان عباس حين قال : لن نسمح لأحد بالتدخل سوى مصر، وتمت هذه المصالحة وترتيباتها من غير أي مشاركة أردنية تُذكر، اللهم الا تلك الزيارة البروتوكولية لعباس الى الأردن عقب المصالحة، والتي كان يُفترض أن تكون تنسيقية واستشارية، وقبل المصالحة لا بعدها، فهل يشكل هذا انقلابة على الدور الأردني واضعافه وبمباركة أمريكية اسرائيلية عربية، أم ماذا يمكن أن نسميه ؟
تغييب الدور الاردني أصبح واضحاً، وإدارة ظهر الحلفاء أضحت أكثر وضوحاً، وكأن الأردن قد أخفق في حسن اختيار حلفائه استراتيجياً بعد أن ارتمى في أحضانهم ردحاً طويلاً من الزمن، ولم يجني سوى الجحود والمنَّة والنظرة المُهينَة التي لم تحفظ له ماء وجهه، ولعل أبرز ملامح تغييب الدور الأردني هو غيابه عن مسرح الحدث العربي كرئيس للقمة العربية العادية .
يتعيّن على الأردن أن يبادر فوراً الى استثمار ما بقي من أوراق في محيطه الاقليمي، والا فسيندم أشد الندم وسيكون أكثر احتراماً وقدسية ان نأى بنفسه عن نهج سياسة التابعية، التي ألغت دوره كفاعل رئيسي لا يمكن تجاهله في المنطقة، على الأردن أن يتوقف ملياً وهو يعيد ترتيب أولوياته وأن يأخذ نصب عينيه مغزى المقولة الشعبية " عز نفسك تجدها "
لقد بدأت بوادر أزمة سياسية مع اسرائيل، فهل سنحسن ادارتها، أم ننتظر الوصفة الجاهزة من قبل حلفاء يمارسون دورهم المؤثر بغية احداث تقارب مع اسرائيل على حساب المصلحة الأردنية ووفقاً للعبة صراع المصالح، لا سيما بعد وصول التيار الليبرالي الى الحكم في دول الحلفاء والذي يرى بأن أفضل وسيلة لتثبيت دعائم حكمه، هو الانعطاف نحو اقامة علاقات ودية مع اسرائيل، وقد بدأ يهرول نحو تل أبيب، في وقت لم نسمع فيه ثمّة ردود فعلٍ من قبل من أسميناهم بالحلفاء حيال التصريحات والنوايا الاسرائيلية الأخيرة حول الوطن البديل وغور الأردن، فلو كان الاردن يعنيهم لسمعنا منهم ردة فعلهم على هكذا تصريحات خطيرة، ولكنهم لا يرون في الأردن الا ذاك البلد المُتسوِّل المُتوسِّل، هكذا هم، وهذه ثقافتهم، وقد سمعناها غير مرة .
الأردن ليس معنياً بالحرص على مصالح غيره قبل الاطمئنان على مصلحته ومصلحة شعبه " فبعد نفسك ودْ صاحبك "،ومن هذا الباب على الأردن ان يشرع فوراً بإقامة علاقة ودية مع من يرحب بمثل هذه العلاقة من دول الاقليم، دون أيّ استحياءٍ من حليف منّان يفرض علينا سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"، مصلحة الأردن أهم بكثير من انتهاج سياسة الاسترضاء، على حساب سمعته والتي لم تجرْ علينا سوى مزيد من الخيبات والاملاءات .
مصلحة الاردن تُملي عليه أن يتوجه الى اقامة علاقات مع ايران، وبناء منظومة علاقات اقتصادية ولا سيما في مجال النفط، وقد أبدت ايران غير مرة رغبتها في ذلك واستعدادها لتقديم الدعم النفطي للأردن وبأسعار رمزية .
مصلحة الأردن أن يمد جسور التعاون مع العراق الشقيق، فهو عمق الأردن ورئته عبر العقود التي خلت، وقد أبدى العراق استعداده لتزويد الأردنِ بالنفطِ مجاناً، وهو ما ورد رسمياً على لسان وزير خارجية العراق ابراهيم الجعفري، ولعل زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة تهيء لمثل هذا التعاون، أمام الاردن عروض مُغرية، وبعيدة عن كل مِنّة، فان بادر الى تفويتها إرضاء للغير فلا يعني ذلك سوى ابقائه أسيراً للإملاءات.
مصلحة الأردن أن يحتفظ لنفسه بتحديد شكل العلاقة مع النظام السوري، فهو يشكل مقتربا جيوسياسيا لا غنى عنه، وتقتضيه مصلحة الأردن العليا، ولعل تقلبات السياسة أثبتت جدوى قيام مثل هذه العلاقة .
الخطر الذي بات يتهدد الأردن اليوم والذي كان أحد بوادره قيام ملتقى الخيار الأردني بدعم من حزب الليكود الاسرائيلي بإطلاق فكرة أن الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وتزامن ذلك مع المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية والتي لم يُستشر بها الأردن الذي ظلَّ ملتصقاً بهذه القضية طيلة عمر الدولة، هذا الخطر الذي لم نسمع ردة فعلٍ أردنية رسمية حياله الى الدرجة التي معها، فقدنا نحن الأردنيين أيّة ثقة بالسياسة الأردنية التي باتت طريحة التجاذبات والتحالفات والهيمنات، وحتى التصريحات التي صدرت عن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين ناتنياهو حول غور الأردن باعتباره عمقاً لإسرائيل، لم تُقابل هي الأخرى بأية ردة فعل سياسية رسمية لائقة، وكأن كل هذا الذي تقوم به اسرائيل هو مجرد مزحة فقط .
على الأردن أن يحرر نفسه من قيود التبعية للغير، لأن ذلك سيفقده الكثير من المزايا الاستراتيجية، ويجعل منه كقصاصة ورق تعبث بها الرياح الهوجاء، ليكون مناطاً ومطية لاستخدام الغير، مما سيجعل سيادته الخارجية في مهب الريح، فالأوضاع لم تعدْ تحتمل المواربة والاصطفاف، فالأردن اليوم بات في كربة وخطر فلا تلوموا أحداً ولوموا أنفسكم.