الاقتصاد الأردني وعاصمة جديدة لإنقاذه
د. حسين البناء
24-10-2017 02:19 AM
لقد بات من الواضح بأن الاقتصاد الأردني بات في أحد أكثر المستويات القياسية حرجا، وخاصة بعد التأكيد الرسمي بأن أحدا لن يقدم شيئا ليساعد البلد في تجاوز الأزمة كالمعتاد.
الأردن اليوم يمر بمرحلة بالغة التعقيد أكان اقتصاديا أم سياسيا وحتى اجتماعيا كذلك. فجميع المؤشرات المعيارية للاقتصاد في مستويات جد خطيرة، بدءا بحجم ونسبة الدين العام (23 مليار دينار أي 91% من الدخل القومي) ، مرورا بالعجز التجاري (10 مليار دينار) وليس آخرا مستويات البطالة والتي تناهز (15%).
أما على الصعيد السياسي، فهنالك من الارتياب الداخلي والخارجي ما يثير اللغط، ويبدو أن أحدا غير قادر على إزاحة طبقة سميكة من الضبابية و التوجس حول جملة قضايا مصيرية تتعلق بالبلد، بدءا بحل القضية الفلسطينية، و دور الأردن في مسألة اللاجئين و مخاوف التوطين، فقضية القدس والوصاية الدينية عليها، فمؤتمر المعارضة "المشبوه" الذي تستضيفه إسرائيل مؤخرا، وليس آخرا استلام مصر لملف المصالحة و حماس وغزة.
ليس هذا فحسب، فعملانيا، الأردن اليوم محاط بمحور مستجد من حلفاء روسيا وإيران، بدءا بالعراق فسوريا ولبنان، وجنوبا خليج عربي منقسم حول أزمة قطر، و مشغول بحرب اليمن التي طالت، ويبدو أن ثمة اهتمامات و أولويات جديدة هناك ليس من ضمنها حل مشاكل الآخرين.
أما داخليا، فحجم الاحتقان الشعبي في مستويات قياسية، نتيجة حزمة الإصلاح الاقتصادي الأخيرة والتي سوف تطال معظم أسعار السلع والخدمات بدءا بالمشتقات النفطية وحتى خبز المائدة. الشارع الأردني بوضوح يحمل الفرق الحكومية المتعاقبة المسؤولية عما جره عليه الفساد وسوء الإدارة من نكبات.
في ظل كل ما سبق، تنوي الحكومة جادة بناء عاصمة إدارية وسياسية جديدة كليا، ليست امتدادا للمجال الحضري للعاصمة الحالية (عمان) بل تنفصل عنها بالكلية. ويبدو بأن جنوب شرق عمان سيكون الأكثر ترجيحا برغم امتناع الحكومة عن التصريح بالموقع المستهدف والاكتفاء بالإشارة بأنه من ضمن أراضي الخزينة العامة.
للموضوعية، فإن العاصمة بشكلها الحالي بات غير ملائم البتة للاستمرار فيه، فازدحام حركة النقل والسيارات، ومستوى الاكتظاظ العمراني، ومستوى التلوث الصوتي و المادي، والبنى التحتية المتهالكة ... جميعها عوامل تبرر ذلك التوجه بنقل العاصمة لمكان جديد أكثر تنظيما وسعة، والدستور الأردني يسمح بذلك بقانون خاص.
قرار نقل العاصمة هو اقتصادي بامتياز، وسبقته له مصر في بناء العاصمة الإدارية الجديدة، وهو يأتي في ضوء الأزمة الحالية. أما السؤال البارز هو: في ظل العجز المالي، كيف ستنفق الحكومة على كلفة البنى التحتية و الإنشاءات الفوقية للعاصمة المستحدثة؟
الإجابة المتوقعة هي كالآتي: تقوم الحكومة ببيع جزء من الأراضي العامة للخزينة في موقع العاصمة الجديدة، ومن عقارات الدولة التي سوف تستغني عنها في العاصمة الحالية، و ستقوم أيضا بتحصيل عوائد مجزية من الرسوم و التراخيص لكل مبنى و مشروع و متجر يتم تشغيله في الموقع الجديد، جميع هذه الإيرادات يتم توجيهها لتمويل تكلفة المشاريع الإنشائية للبنى التحتية والمرافق العامة و مباني الوزارات والهيئات المركزية العامة. هذا السيناريو واقعي جدا، فمثلا لو تم بيع الدونم الواحد بقيمة (250000 دينار) فإن عشرة دونمات تكفي لإنشاء مبنى وزارة كامل بجميع تجهيزاته ومرافقه.
القطاع الخاص هو المعني بتنفيذ معظم المشروعات و الأبنية و التجهيزات للعاصمة الجديدة، مم يعني بأن حركة تشغيل وانتعاش واسعة يتوقع أن تنشأ فور المباشرة بتنفيذ قرار النقل، وليس هنالك أكثر جاذبية للمستثمرين و رجال الأعمال من اقتناص فرصة العمل في قلب عاصمة حديثة تحمل من الفرص و المغريات الكثير.
السؤال الأكثر جدلية في هذا الشأن هو: ما هي إمكانيات تعثر المشروع؟ وهل من الوارد التراجع عنه في لحظة ما؟
الإجابة عن الشقين ليست بتلك السهولة، فقرار الحكومة المدروس و الناضج و الذي يأخذ باعتباره جميع أبعاد الفكرة كفيل بإنجاح المشروع، لكن المستقبل يبقى في قائمة غير المؤكد خاصة في ظل منطقة مضطربة و صراعات إقليمية متفاقمة.
فكرة بناء ونقل العاصمة الأردنية (عمان الجديدة) إذا ما خلت من معضلة الفساد و سوء الإدارة و ضعف التخطيط، فإنها فرصة طموحة و جادة و خلاقة لكي تحدث نشاطا اقتصاديا على مدار عشر سنوات على أقل تقدير، ومن شأن ذلك الخروج من الاختناق الحضري القائم حاليا.