على من يقع اللوم في ظاهرة الاعتداء على المعلمين؟
عريب الخطيب
23-10-2017 02:03 PM
مع تزايد حالات العنف والاعتداء على المعلمين بالضرب بالفترة الاخيرة,ورغم ما يصدر من تعاميم بمنع العنف والإعتداء سواء على المعلم أو الطالب وعدم الإساءة النفسية والجسدية لهما ,ورغم القرارات التي تصدر من الجهات الأمنية بمحاسبة كل من تُسول له نفسه بالإعتداء على أي طرف إلا أن ما يُنشر في الصحف المحلية والمواقع الاخبارية والذي بات شبه يومي يجعلنا نستغرب من هذا الامر الذي اصبح ظاهرة وليس حالة منتشرة في المجتمع حيث نطالع العديد من قصص الاعتداءات على المعلمين من قِبَل الطلبة وأولياء الامور وفي حَرَم المدرسة دون إحترام للمعلم وفقدان الشعور بهيبة المكان التربوي الذي يتخرج منه أجيال المستقبل ,فيعتدون على المعلم ولأسباب قد تكون تافهة وممن الممكن حلها دون التسبب بالأذى للمعلم أو الطالب وإلحاق الضرر بالمدرسة وتشويه صورة التعليم في الوطن ,إلا أن الاستمرار في اللجوء الى العنف وأساليبه والاصرار على عدم إظهار أي اعتبار للتحذيرات الصادرة سواء من وزارة التربية أو من الجهات الامنية مؤشر سئ وخطير يُظهر مدى العنف الذي يعاني منه المجتمع والذي يعود الى خلل كبير في منظومة القيم والاخلاق التي تسود المجتمع بشكل سلبي يؤثر على سلوك الافراد وتجعلهم غير مباليين في تصرفاتهم فيلجأون الى العنف للثأر لانفسهم المريضة معتقدين انهم يحققون نصراً وما يفعلونه في الحقيقة ما هو إلا وشم عار وإساءة لسمعة التربية والتعليم في الوطن.
إن سلسلة الإعتداءات السابقة والتي أدت الى إضراب البعض عن العمل ومطالبة الدولة ووزارة التربية والتعليم بحمايتهم حتى وصل الامر ذروته عندما ناشد المضربون جلالة الملك عبد الله الثاني بحفظ سلامتهم وتوفير الامن والامان لهم ضماناً لإستمرار عطاءهم بأعلى الجهود حفاظاً على كرامتهم التي هي مكسبهم في العمل وثمرة حصادهم خلال سنوات عملهم وأثناء تأدية واجبهم التربوي أولا والتعليمي ثانياً,هذه الاعتداءات المتكررة على المعلمين تستدعي كل المعنيين بالامر القيام بتشكيل لجنة لدراسة هذه الظاهرة بشكل علمي وتشخيص مواطن الخلل وتحديد المقصرين من طلبة ومعلمين أو انهيار لمنظومة المعايير التربوية والقيم الاخلاقية التي تسود في مؤسساتنا والاطلاع على الضغوطات التي يعاني منها أبناء المجتمع نظراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي والتي تؤثر سلباً على سلوكيات أفراده والتحقيق في أسباب حالات الاعتداء سواء كانت صادرة من الطالب الذي يتجاوز حدوده ويعتدي على معلمه أو من قِبَل المعلم الذي يُفتَرض أن يمتص ويستوعب الطالب وظروفة وأن لا يتعامل معه بشكل سئ ومن ثم وضع التعليمات الصارمة لحالات الاعتداء والمتسبب فيها ليكون عبرة للآخرين فيرتدعون من هذه الافعال المشينة ولا يلجأون الى أساليب العنف في المدرسة كون التعليم الركيزة الاساسية لبناء الدولة وبناء جيل يرتقي بوطنه في المستقبل ويتباهى به بين الدول.
كثيرون من يعزون اللوم على المعلم والطالب والادارة المدرسية في حالات العنف المدرسي لانه لا عنف دون سبب ونجد العديد من الطلبة الذين يحقدون على معلميهم لمحاباتهم للبعض مما يؤثر سلباً على علاقة الطلبة بين بعضهم البعض مما يسبب الكراهية بينهم والحقد على المعلم إضافة الى لجوء بعض المعلمين الى العنف مع الطالب بضربه والسخرية منه امام زملاءه حيث يخاف الطالب من معلمه مما يؤدي الى كرهه له وامتناعه عن حضور الحصة الصفية ,وكذلك عدم غرس صفة الاحترام من قِبَل الاسرة في نفس الطالب تجاه معلمه من اهم الاسباب التي تدفع الطالب الى الاعتداء على المعلم والاساءة له علما أن المعلم المتزن والحكيم قادر على تفادي هذه الامور بإظهار حبه للطالب ومعاملته بإحترام واستيعابه بالحوار.
وبالنسبة للمعلم ,ثمة أسباب عديدة تدفعه الى اللجوء للعنف في تعامله مع الطالب بسبب الضغوطات التي يتعرض لها خاصة عندما يكون نصابه 24 حصة صفية إضافة الى تكليفه بأعمال أخرى وعدم تحفيزه بما يُثمن جهوده المبذولة ليكون له دافع في العمل التربوي إضافة الى عدم معرفة البعض بالاساليب التربوية وكيفية التعامل مع الطلبة مما يدفع بالمعلم الى العنف وتوبيخ الطالب وشتمه فيخلق ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها عند الطالب.
ولكي تقضي وزارة التربية والتعليم على حالات الاعتداء على المعلم او الطالب ,فإن تطوير المناهج وتعزيز القيم الاخلاقية فيها أمر ضروري لخلق جيل متعلم يعتز به الوطن لإحترامه للغير والتعامل مع من حولهم بإحترام وتقدير وأخلاق عالية ,إضافة الى إبراز قصص السلف الصالح في احترام المعلم والإكبار فيه ليكون عبرة وقدوة لهم والتركيز على مواضيع تغرس القيم السليمة لتنشئة جيل سليم.
ولا بد من تكاثف وزارة التربية والاعلام لإعداد نشرات وبرامج توعوية للطلبة والمعلمين وأولياء الامور ومديري المدارس وإعداد دورات تربوية لهم وتخصيص حصة صفية للحوار مع الطلبة بإشراك كوادر تربوية في المركز والميدان لمناقشة العنف وأسبابه ووضع الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة والتخلص منها.
وعلينا أن نتذكر دائما قول الشاعر أحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا