حين كتب ابن سيار الى الخليفة يقول له:
ارى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك ان يكون له ضِرام
كان قد شم رائحة عن بُعد، وادرك ان القادم اسوأ تماما كما ابصرت زرقاء اليمامة عن بعد غزاة يختفون تحت اغصان الشجر!
فأين ابن سيار الان ؟ والى اية عاصمة سيرسل برقيته الشعرية المشحونة بالنذير ؟ واين هن زرقاوات اليمامة والشام والكنانة ليرين عن بُعد غزاة يتصور العميان انهم اشجار تمشي.
المثقف العربي الان باستثناءات تؤكد القاعدة القصديرية لا الذهبية، مستغرق في شجونه الصغرى، ومشتبك مع الرغيف والمأوى وقسط المدرسة وعلاج الام من امراض مزمنة، ولا وقت لديه كي يتخطى الدائرة الصغرى التي لا تزيد عن نقطة حبر سقطت سهوا من قلم غير محكم الاغلاق، كي يتساءل عن مصائر احفاده؛ لأنه مشغول بالابناء فقط، وقد يردد بينه وبين نفسه في لحظة يأس ليأت من بعدنا الطوفان!
اننا رهائن لتربويات مضادة لكل ما هو عام ومستقبلي، فالامثال والمواعظ المتداولة شفويا تشحذ الانانية حتى التوحش، وتحول الافراد رغم تقاربهم المكاني الى جُزر متباعدة لا تصل بينها حتى القوارب الشراعية!
ومن صدّق الموعظة الخرقاء القائلة ما حكّ جلدك مثل ظفرك سيكتشف بعد فوات الاوان ان اظافره منزوعة، وظهره العاري هدف سهل لكل السياط!
اننا كعرب ندفع الان ثمن ما رضعناه من ثقافة تتأسس تعاليمها على ان الفرد محور الكون وان الاخرين اما اعداء او مشاريع اعداء، لهذا كثرت الامثال والمقولات المتداولة عن الرّيبة والاحتراز المفرط .
ومن قالوا لنا ونحن اطفال ان آخرة الاخوة ان يكونوا جيرانا اخفوا عنا النصف الثاني من هذه المقولة، وهي ان آخرة ابناء العم والخال ان يكونوا اعداء، وهذا ما يفسر التآكل كبديل ادنى للتكامل، وما افرزته تربويات النميمة والشماتة والتلصص من ثقوب الابواب كان انكى واشد تنكيلا من السم الزعاف !
ولو شئت ان اختتم بمثال فليكن عن خروفين يشتبكان على عشبة في الطابور امام المسلخ!!
الدستور