مسلسل الانهيار .. الى أين ؟
مالك نصراوين
03-02-2009 02:02 PM
قبل عام 1967 ، كان العنوان الابرز لمسيرة الامة العربية ، هو تحرير فلسطين من ايدي الغاصبين الصهاينة ، واعادة الشعب الفلسطيني الى دياره ، لكن بعد الهزيمة او النكسة او غير ذلك من التسميات ، اصبحت الاهداف ، انسحاب اسرائيل الى حدود الرابع من حزيران ، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، وهذا الشعار الاخير اصبح الرافعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، كما اقرت بذلك القمة العربية في الرباط عام 1974 ، فعند قدوم أي سياسي زائر الى المنطقة العربية ، يجابه بهذين المطلبين ، وعند استفسار الضيف عن مفهوم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، كان الجواب ، اسألوا منظمة التحرير الفلسطينية عن ذلك .
من هنا اصبحت منظمة التحرير الفلسطينية ، التي نالت الاعتراف الدولي بها ، طرفا اساسيا في معادلة الحل السلمي ، والذي اصبح هدفا استراتيجيا للامة العربية ، بعد ان اقتنع العرب ، بضرورة التخلي عن المنطق الذي ساد قبل حزيران 1967 ، وما بعده بقليل من خلال لاءات القمة العربية في الخرطوم في نفس العام ، ولم يعد منطق ما قبل حزيران مقبولا ، فالحل العسكري اصبح بعيد المنال حتى لو امتلكت الامة الارادة والمقومات لهذا الحل ، والوجود الاسرائيلي اصبح التعايش معه امرا واقعا ، والظروف الدولية حاليا ، وفي المستقبل الابعد من القريب ، تصب كلها بهذا الاتجاه ، فلن تقبل الدول المؤثرة بازالة اسرائيل من الخارطة ، فهي ترفض ذلك تصريحا ، كما فعلت مع تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ، وترفضه حبرا على الورق ، فجاء الضغط اللاحق على منظمة التحرير الفلسطبنية ، لشطب بنود تشير لهذا الامر في الميثاق الوطني الفلسطيني ، والجميع يعلم ان اقرب اصدقاءنا السابقين ، وهو الاتحاد السوفييتي ، كان من اوائل من اعترفوا باسرائيل ، ولم يقبل ابدا بمبدأ ازالتها من الوجود ، وقد مارس الضغط على حلفاءه العرب للقبول بالحل السلمي ، من خلال القبول بقرار مجلس الامن الدولي 242 ، وهو وان كان يدعم العرب ، فذلك للدفاع عن النفس ، او لاستعادة الارض المحتلة بعد عام 1967 .
في الحرب ، كان يحدث الانشقاق العربي اثناءها او بعدها ، فحرب تشرين 1973 ، وهي اخر الحروب " العربية الارادة " ضد اسرائيل ، افرزت لاحقا اختلاف الارادة حولها ، فقد ارادتها سوريا تحريرية ، وارادها السادات تحريكية ، بسبب الملل القاتل من حالة اللاسلم واللاحرب ، التي عاشتها المنطقة لسنوات طويلة ، ونحن نتذكر خطاباته لاكثر من مرة ، في بداية السبعينات عن عام الحسم ، فاعقبت تلك الحرب اتفاقيات كامب ديقيد ، وانفراد مصر بالصلح مع اسرائيل ، ثم جاءت حرب الخليج الثانية ، التي اعقبت احتلال العراق للكويت ، لتنتهي الى معركة سلام في مؤتمر مدريد ، الذي تحول لاحقا الى ديكور لاخفاء محادثات ثنائية فلسطينية اسرائيلية ، فكانت ولادة اتفاق اوسلوا ، واضطر الاردن بعد خروج منظمة التحرير من تحت مظلته السياسية ، الى عقد اتفاق وادي عربة .
حتى المباديء التي آمن بها العرب ، اصبحت صعبة المنال ، لا بل تقزمت وتفتت ، كما هو حال الوحدة العربية ، وكأن هذا الشعار كان مرتبطا بمبدأ تحرير فلسطين ، كضرورة ملحة لتحقيق الهدف القومي ، فبمجرد التخلي عن مبدأ التحرير ، استعيض عن الوحدة العربية بالتركيز على الوحدة الوطنية لكل قطر ، ويا ليت الاخيرة تبقى متماسكة ، فقد طالتها فيروسات التمزق .
مسلسل الانحدار ، هو مسلسل التشرذم والتمزق ، فلم يتفق العرب بالحروب رغم اتفاقهم على الهدف ، ولم يتفقوا بالسلام ، رغم اتفاقهم ايضا على الهدف ، فكانت نزعة الاستقلالية هي المسيطرة دائما ، استقلالية القرار واستقلالية المسار ، فلا مكان للرأي الاخر المختلف ، فان لم يكن بالامكان قمعه وتصفيته ، فلا بد من الاستقلال عن اصحابه ، وها نحن نشهد هذه الايام تمزق اهمها ، وهي الوحدة الوطنية الفلسطينية .
بعد اقامة السلطة الفلسطينية ، على ارض فلسطين في غزة وعلى اجزاء من الضفة ، اصبح الهدف الرئيسي المنشود ، اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، على كامل الارض الفلسطينية ، التي احتلت عام 1967 ، وان تكون عاصمتها القدس ، مع ضمان حق العودة للفلسطينيين ، وهو هدف واضح ومحق ، وضمانة اساسية لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة ، اضافة الى انسحاب اسرائيل من باقي الاراضي العربية المحتلة في الجولان ولبنان ، واصبح هذا المطلب الفلسطيني المحدد مطلبا لكل العرب ، الذين اكدوا التزامهم بمسيرة السلام ، من خلال مبادرة السلام العربية عام 2002 ، واليوم اصبح الهدف ، وقف التمزق الفلسطيني ، الذي ادى الى انشاء سلطتين هزيلتين ، مع خطر استمرار هذا الانقسام وترسيخه ، ليصبح امرا واقعا ، بوجود حالة الاصطفاف فلسطينيا وعربيا ، فيضيع الهدف المنشود باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
ان المواطن العربي ، ليحار في تفسير ما يجري ، فهناك مقاومة تقف الموقف المبدئي الذي يستحق الالتفاف حوله شعبيا ، لكن ممارساتها انفصالية ، والوضع الدولي معيق لها ، تسعى الى اقامة دويلة في غزة ، وهناك سلطة شرعية ضعيفة ، متهمة بشتى الاتهامات ، بالتنازل والتآمر ، لا يبدو ، خاصة في ظل الانقسام الحالي ، انها قادرة على قيادة المرحلة ، وهاجسنا نحن في الاردن ، الاقرب الى فلسطين وشعبها ، اسقاط مؤامرة الوطن البديل ، التي تلوح في الافق ، فهل نقف مع توجه الانقسام ، وهو عمليا يكرسها ، رغم موقف اصحاب هذا الاتجاه ، الرافضين للمؤامرة ، ام نقف مع السلطة الشرعية ، واطراف فيها متهمون بالتخطيط لهذه المؤامرة ؟ فمن يقنع حماس بان تبقى مقاومة فقط ، ولا تدخل لعبة الحكومات ؟ فهي في ظل مبادئها التي ينص عليها دستورها ، والتي ترفض وجود اسرائيل ، غير مؤهلة كي تقود حكومة لانها لن تنال الاعتراف حتى من الحكومات العربية ، ومن يقنع السلطة الشرعية في رام الله ان في وجود المقاومة ، قوة تفاوضية لها ؟ ومن يستطيع ان يخلق الانسجام والتفاهم بينهما ، في ظل الاستقطاب والفرز ، فلسطينيا وعربيا ؟
ما يجري على الساحة الفلسطينية حاليا ، هو صورة مصغرة لما كان يجري على ساحة الوطن العربي ، خلال عقدي الخمسينات والستينات ، من فرز لانظمة رجعية واخرى تقدمية ، الى ان جاء شعار التضامن العربي مع بداية السبعينات ، لينهي هذه المرحلة ، فمتى يأتي دور شعار التضامن الفلسطيني ؟
m_nasrawin@yahoo.com