قررت أن أفتح شركة غير ربحية برأس مال خمسين مليون دولار، هدفها تنوير عقول العرب وتشجيع الإعلاميين الشباب والبحث العلمي والتنمية السياسية. ولتحقيق هذه الأهداف اشتريت الطابق مائة وعشرة كاملا في "برج معان" الأعلى في العاصمة الأردنية. وبانتظار ما ستسفر عنه قضية شاهه علي رضا، مسؤولة العلاقات العامة في البنك الدولي التي عينت في الخارجية الأميركية براتب أعلى من كونداليزا رايس، سأعمل على تقديم عرض عمل لها تتولى العلاقات العامة في الشركة غير الربحية. الشركة غير الربحية ستكون الوظيفة الحقيقية لها إجراء استطلاع غير علمي يثبت أني أهم شخصية أسهمت في دعم البحث العلمي في العالم العربي، وفي الأثناء سأوزع باقي الجوائز على من يهمني أمرهم. مجلة المستور لصحابها وكاتبها أحمد أبو خليل تهمني كثيرا. أن تحتل صورتي غلافها وهي التي توزع بخمس لغات عالمية يعني أن العالم سيأخذني بجد. طبعا أبو خليل لا يشتغل لله، أوقع معه اتفاقية إعلان بمليون دولار سنويا، وأمنحه جائزة أفضل صحافة تغطي البورصات العالمية. طبعا لن ينافسني على غلاف مجلته. فأنا شخصية العام وهو فاز بجائزة من جوائزي البالغ قيمتها مائة وخمسين ألف دولار.
لن أنسى كبار الكتاب على مستوى العالم من ريع مؤسستي، سيعطون بين الفينة والأخرى دورات مدفوعة الأجرعن: كيف تصبح كاتبا في أسبوع؟ وهم لن يفوتهم الإشادة بجهود مؤسستي والتنافس على الفوز بجوائزها. وما يهمهم بالدرجة الأولى هو الاستضافة الباذخة منذ صعودهم في الطائرة على الدرجة الأولى وانتهاء بمبيتهم في أرقى فنادق النجوم الخمس. طبعا في أثناء استضافتي لهم سأهتم باحتياجاتهم الشخصية. مثلا سأدفع رسوم دراسة الابن الأصغر الذي حصل على قبول في جامعة أميركية. وقد أضطر إلى تعيينه بعد تخرجه مع علمي أنه طالب فاشل في جامعة بائسة.
هذه وصفة مجانية لمن يريد أن يصبح "شخصية" عربية وربما عالمية. المشكلة الوحيدة هي تأمين الخمسين مليون دولار. وللأسف فإن غياب معايير الاستطلاع باعتباره أداة من أدوات البحث العلمي في العالم العربي أتاح للمروجين من محترفي العلاقات العامة فرصة تعميم أكاذيب ينكرها الواقع، مع أن أبسط مبادئ البحث العلمي تقتضي إيضاح منهجية الاستطلاع وحجمه والعينة وطبيعتها. فمثلا قد يكون أكثر شخصية تأثيرا لدى ربات البيوت هو سائق سيارة الغاز الذي يؤمن الوقود لإتمام الطبخة. في المقابل تكون أكثر شخصية تأثيرا لدى العاملين في مفاعل بوشهر البرادعي. علي أن أوضح في حال كون سائق سيارة الغاز هو الأكثر تأثيرا أن العينة هي ربات البيوت جنوب شرق عمان. ولا يكفي هذا! فعلي أن أقول إن الاستطلاع شمل ألف ربة بيت وأن من رفضن الإجابة 36 سيدة، وفوق ذلك لا بد من وضع الإطار الزمني، فالاستطلاع جرى في وقت أزمة الغاز، ولو جرى في وقت آخر لتقدم عليه جابي الكهرباء مثلا!
فرق كبير بين الاستطلاع الذي استقر علما معترفا به عالميا وبين الأكاذيب التي يروجها موظفو علاقات عامة أغبياء. وهؤلاء يرضون صاحب العمل ويقولون له ما يحب أن يسمعه مع أنه غير مصدق لما يقولون. والمؤكد أن الناس لا تصدقهم، ومع ذلك تستمر الأكاذيب وتزداد، تماما كما تزدهر الشعوذة في المناطق البائسة. إنها باختصار شعوذة الأغنياء.
yaser.hilala@alghad.jo