لم أكن يوما ماهرا في المساومة، أو ما يسمّى باللهجة العاميّة "المفاصلة"، ومحاولاتي للفهلوة والتذاكي عندما كنت أذهب لشراء بنطلون جينز (بسبب الحاجة لا مواكبة الموضة) كانت تتخذ غالبا السيناريو التالي:
ـ أنا: بقديش البنطلون؟
ـ البائع: بأربعطشر دينار..
ـ أنا: بنفعش طنعش؟
ـ البائع: عشانك بثلطعش..
ثم أدفع المبلغ مثل "التوتو"، وآخذ بنطلوني وأغادر!
ربما أصولي الشركسية سبب رئيسي بضعف مهاراتي في البيع والشراء، مع أنني أعرف شراكسة في الوطن الأم والمهجر هم تجار حقيقيون من طراز رفيع!
المهم،،،
في مرحلة لاحقة اكتشفت أن هناك أشخاصا "عتاعيت" و"متمرّسين" وقلبهم ميّت في المساومة والمفاصلة، عندما يقول البائع لأحدهم: "اربعطعش"، يبادره قائلا: "بنفعش سبعة"؟ بكل ثقة ورباطة جأش من دون أن يرّف له جفن!
طبعا البائع سيرفض، وعندها يدير هذا الزبون المُرّ ظهره ويهمّ بالمغادرة بلا أدنى مبالاة، ليعاجله البائع مستدركا قبل أن يخطو خارج المحل: "طب بحبحها شوي، هات عشرة"..
ولكن الزبون يجيب بثقة أكبر من الأولى: "ثمانية وساطحو"!
عندها يُسقط في يد التاجر، ويجيب محاولا على الأقل تحميل الزبون شيئا من الجْميلة: "يا سيدي مش وجه فشل، منك بدون مصاري، بس عشان نكسبك زبون"..
لكن الزبون لا يترك حتى هذه الفسحة للبائع من أجل حفظ الحد الأدنى من ماء وجهه، ويناكفه قائلا: "والله البنطلون ما بسوى أكثر من سبعة، وأنا ماخذو أرخص من هيك قبل، بس عشان أنا مستعجل وما عندي خلق أفاصل أو ألف بالسواق"!!
أظن أن كل "سولافة" مؤتمر "الخيار الأردني: الأردن هو فلسطين"، وعلى الرغم من اعتداد المعنيين بالأمر بحنكتهم وفهلوتهم السياسية.. هي لم تخرج عن إطار السيناريو الأول!
فمَن يُسمى "مضر زهران" ومَن معه لا يشكّلون حالة سياسية أو جماهيرية أو إعلامية تستحق أن تُؤخذ على محمل الجد، فلماذا يجدون من يحتضنهم ويدعمهم و"يهوّي" لهم وينفخ في بوقهم ويوفّر لهم مستقرّا للعيش وهامشا للحركة والتصرّف والجعجعة؟
الجواب ببساطة: لغايات المساومة الهبلة!
إمّا أن يكون الثمن باهظا كخيار المدعو "زهران" وما ينضوي عليه هذا الخيار من عنصرية وإقليمية ونُذُر بالفوضى والتنكيل..
وإما أن يكون الثمن بخسا بأن يبقى الوضع على ضفتي النهر على ما هو عليه بفساده وترهله وضياع هيبته وانقسامه وتشظّيه وعنفه وأمنه ـ ناعما أو غير ناعم ـ وضنك عيشه وانسداد أفقه.. إلخ إلخ إلخ..
أو أن نرضى جميعا بالخيار الوسط.. خيار أبو "ثلطعشر" دينار.. خيار نهاية النفق "قيّة" هاني الملقي!
قد يسأل البعض: وما هو خيار هاني الملقي؟
الجواب: هو ليس خيار هاني الملقي بوجه خاص، ولكن دعونا ننتظر حتى يتبيّن "راس" التعديلات المزمعة على قانون الجرائم الالكترونية "من إجريها" قبل أن نجيب، أو دعونا ببساطة ننتظر لنرى بأمّ أعيننا "نفخة الرسول" التي ستحدث منتصف سنة 2018 وتخرجنا من عتمة النفق!
قد يسأل بعض آخر سؤالا آخرا: لماذا الرقم (13) بالذات؟
والجواب: لأنه رقم موحي ومُعبّر ويرتبط عند الكثيرين بحسن أو سوء الطالع، ولأن رقم (30) على غرار ثلاثين فضة "يهوذا الاسخريوطي" يبدو رقما مُفرطا ومُبالغا به في هذا السياق!!
يبقى هناك سؤال على الهامش سأطرحه أنا: يا ترى لماذا اشترى هاني الملقي بطارية السيارة؟ هل هو يحتاجها حقا؟ أم من أجل التقصّي عن ظاهرة التهرّب الضريبي في الأردن؟ أم لكي يضيء بها اللمبة التي تنتظرنا في نهاية نفق منتصف الـ 2018؟!
أجزم أن اللمبة الموعودة من نوع توفير الطاقة لتتناسب مع سيارات "التسلا" التي يقودها الوزراء من قبيل التقشف وترشيد النفقات!
بصراحة: مقالي هذا كله ما بسوى "ثلطعشر" دينار أجيب فيهم بنطلونين جينز، لا تفهموني غلط، أنا لم أصبح ماهرا بالمفاصلة مع الزمن، الله يخليلنا البالة!
المؤسف في جميع الكلام أعلاه أن "الأوطان" هي ما يتم المساومة والمفاصلة عليه، وعلى عينك يا تاجر!