محاولة لاستطلاع محتوى الحلم في عقل الملك
غازي السرحان
18-10-2017 12:49 PM
حين يضطر الملك إلى التحول عن الأوصاف والمقدمات عندما تكون الكلمات لا تفصح أحيانا عما وضعت لتعبر عنة يضع الأوراق جانبا حينها يكون ثمة ما يستحق الإصغاء والاستماع والوقوف والتأمل. فالملك الشخصية التي تجد ما تقوله بوضوح وتعرف كيف تقوله، وفي هذا الاتجاه نلمس التعبيرات الرغبوية لدى الملك حينما الأمر يرتبط بالدولة بما تحمله هذه الحالة من دلالات وطنية ضمنية. إن أحوال المواطنين وضائقتهم الاقتصادية والتي استطال قعودها تجد لها اتساعا في الوجدان وفي الذاكرة عند الملك، إنهم يشكلون البطانة الوجدانية لديه. ولكن من يعوض عن غياب إمكانية رؤية لمساعدات خارجية ولا شك أن في الإجابة مشقة ويحتاج إلى جلد وتجمل، فالمساعدات قد تراجعت ولم تعد هي المهمة لدى عدد من الدول فالإشارات المتوافرة تشير إلى بلاغة الفراغ وان الأشياء تبأن حولنا وهناك ثمة ثغرات ينبغي أن تردم.
الا أننا أمام هم جديد أمام معضلة الذوات التي انغلقت على نفسها وفقدت القدرة على التواصل مع الآخرين . وسبابة احتجاج لم ترفعها لتصوب ، ونعني بها افتقاد القدرة على التواصل داخل النوع إنما بلقاءات تفرضها علاقات برجوازية مؤقتة ،ثمة شخصيات معزولة وحيدة غالبا تطل برأسها بحياء لا تنهض على أرضية فهم متماسكة والخطى المتباعدة الإيقاع دأبت إلى التوجه لما هو هامشي أصبح من ابرز ملامحها مثلت تلك الحالة إسنادا لوظيفة دلالية تلتقي مع مجمل ما هو مناط بالملك من مهام ورؤيا في غيابها المشهود عن المشهد ما حدا بالملك لان يأخذ دورا واسعا ليشير بسبابته وليعلق الجرس ويستخلص ويقدم لنا الصورة الختامية بما يمتلك من قدرة عالية على الإيحاء والمخاطبة وعن لغة تحاول الذهاب في فرادة وتميز خاصين.
هكذا أنت أيها الملك تضيء لنا الواقع رغم قتامة وفي إلغاء أي مسافة تفصل بينك وبين رعيتك عبر لغة نقية تحاول أن تطمئن ما هو فينا من مشاعر واحباطات وطموحات وانكسارات لتمسح بعينيك المسبلتين حزنا إلى جانب التأملات والمقاربات التي تنهض بها كرب أسرة وحادي ركب وقائد وملك ،ولا اجل هذا الالتصاق الحميم بيننا سننهض معا ونعبر الكبوة ونقول للعالم أن مقولة " اشدد حزم معدتك كلما تضاري جوعك " ليس علامة هزيمة وموت .
أمام طغيان الكلام يأتي الصدى كالظلال في الحلم ، لقد حرصت أن انقل عن الزحام الغفير الغارق في هتاف النفس ، فإذا لم يكن القائد ماسكا للعصب الواصل ما بين التصور والتعبير لا يمكن لما يكتبه أن يعبر عما يتصور انه يعبر عنة وبما أن
التواصل ضربا من الحب المتبادل بين الراعي والرعية ، فالملك بما وفرت له ثقافته وخبرته وحنكته وذوقه من مجسات اللقط وبما وفرت له مخيلته ودربته الطويلة في التعامل مع الناس من مقومات امتلاك الأسلوب الفريد المتواصل في فرادته يملك من وضوح الرؤية وطول النفس ما يجعل من لقاءاته الوجدانية بناء فعليا لمناخات أكثر إشراقا وبهاء وضمن تطلعات العدالة والحرية والتقدم والنماء
ليس لدينا أي رغبة تدفعنا إلى تفاؤل ساذج ، ولهذا فضل أن يتحدث إلينا عن بعض الإجراءات ليثير بها أذهاننا لعلنا نندفع لنبحث معه عن الحلول ومن اجل خلق نموذج متطور يتقدم النماذج البشرية الأخرى الناجحة إخلاصا ووفاء للوطن .هناك من يقول لماذا يسقط التعب على رؤوس الصغار فالجواب صريح وواضح من حديث الملك وتوجيهاته بأن لا مساس بالطبقة الفقيرة والوسطى ويطرح حلا صعبا لا تسكنه الشوائب بأن يتم توجيه الدعم نحو المواطنين لا السلع وهذا الحل والإجراء نابع من معرفة المراقب لواقع الوطن ومواطنيه ، هناك من التبس الأمر علية حتى كدنا نضيع بين الاتهامية والضبابية والتشكيك والانتقامية والمسؤولية ، أنا شخصيا اعتقد أنها وصفة شافية لداء يلحق الأذى بالروح والجسد وما هذا الترياق الا حلا للخروج من المأزق ، فبعد هذا الوصف الدقيق الذي جاء بحديث الملك انشأ واقعا مختلفا ،عليكم انتم أيها المواطنون أن تنضموا إلية وتشاركوه في تكملة البداية وما كنا الأردنيين يوما الا إلى جانب القائد والوطن والناس . اليوم يحتاج الوطن إلى وطنيين لا مواطنين إنها تستحق كل التشجيع في مجتمع راكد يكرس القيم الثابتة التقليدية النمطية ويعارض المتحول والمتغير .
وما ينطق به الملك من رأي ورؤيا يعزز وفاء الملك لوطنه ومواطنيه مثلما تشير إلى عمق انشغاله بأسئلته المختلفة التي يجتهد في استيفاء أبعادها وفي توسيع مداها ما يقدم اضاءات متزايدة حول مستقبل الوطن وأسرارها الممتدة مملكتنا من غير أن نصل الى صيغة الباب المغلق أو الأفق المسدود بإمكاننا أن ننظر إلى مسيرة المملكة فليس هناك مرحلة واضحة في حياتها اتسمت بالتحديد أو الضبط ولذلك ظلت عصية على الموت والانتهاء . نحتاج اللجوء إلى منهج قرائي مفتوح يقرا النص بالنص ويحاول أن يعنى باكتشاف آليات حركة الواقع والمستقبل والتنبؤ بما يحمله القادم من الأيام ومسائلة ملامحها المتحولة والمتغيرة .الأمر يستحق تأسيسا نظريا وتحليلا تطبيقيا في ظل الشروط الخاصة والآفاق الممكنة للاقتصاد الوطني .ومع ما بين الواقع والأمل من نسب مشترك وصلات حميمة تسوغ الكلام المشترك عنهما فلا بد من مجابهة الصعاب ولا بد من السعي نحو الاحتمالات المضمرة ووضع إشارات محكمة فتجربة قيادة الملك من أكثر التجارب العربية تطورا ونضجا ومن أكثرها إصلاحية وصلاحية لبناء مشروع الدولة العصرية فهو الحامل للرؤية المستبصرة.
والملك يعرف كل الظروف والأبعاد التي تحكم طبيعة حياة الناس وما زيارته للواء الأغوار الشمالية قبل عدة أيام تجيء لترسخ النهج القديم الجديد للملك في العناية والرعاية والتفقد ، ما يؤكد نهج قائد الوطن في الاشتغال على المستويين الاجتماعي والسياسي ويؤكد أن كل بقعة من بقاع الوطن تقع في موضعها المناسب ، فيكفيها أنها تقدم ومضات تعلق الجرس وتفتح أفقا ترنو أن يتسع أكثر فأكثر لواقع خصب جميل . ولعل في تلك الزيارة الملكية ما يتيح الوقوف على واقع معيشة الناس وظروف حياتهم لتعطيه عمقا ووضوحا وتقصي التفاصيل المحيطة بتضاريس جغرافية المكان والوجوه وحرارة الصيف اللافحة ولم ينجو الملك من التقاط بعض وهجها . لقد أتى الملك ليقدم زادا جديدا للناس الذين يتوق الملك أن يتواصل بهم وساعدهم على رفع رؤوسهم ليستشرفوا الأفق وصنع إرادة قادرة على التغيير وان بوسعهم الانطلاق مجندين إمكانياتهم غير المتناهية لتجاوز هذه المرحلة واستيعاب أبعادها الشاملة .حتى وان كان ذلك على مستوى التكنيك والأسلوب.
ذات صباحات قطرات ندى في تخوم شعرة امتصها برد الصباح ينقل الملك خندقه إلى الأمام باضطراد ليعقد قرانا شرعيا بين أجهزة الدولة والمواطنين وان يشرب من واقعهم بأن يضع أصابعه على بذور المشكلة بأن لا بد من خلق إرادة التغيير نحو الأفضل وان يوجه لمعالجة قضايا الواقع المحلي . لقد اثبت الزمن أن هوة قائمة بين عمان وعدد من المناطق الأخرى وان هناك تسلطا لطبقة الأثرياء والمنتفعين وهواة الزعامة أنتج واقعا مكبلا بالقيود والأغلال لتنهمر اسقاطاته التي يتصاعد منها دخان المعاناة والقهر على جسد الناس. ولان مجمل الممارسات الخطأ ما تزال تضرب شراع الإنسان المقهور المغلوب على أمره، والأسر المعدمة التي تأكل اللحم بالمواسم ولم يتخل هؤلاء الأبطال عن أبعادهم الاجتماعية والوطنية النقية النبيلة المعبرة عنها سحناتهم وجباههم المرفوعة وبالطبع المحاربة عن حقها في الحياة .
من تلك الأرض الأردنية التي تفوح بأريج القداسة ومنها تطل معالم ارض الأنبياء الطافحة بالعطاء يطالعنا وقع الظروف المحبطة على الإنسان على طول تراب الغور والجنوب والشمال والوسط والمخيمات والتجمعات ليطل الملك على واقع محزوم بغصاته وحشرجاته فيصدمه الواقع القاسي وتأتي الحوارات مختصرة تتأبى التفصيل مكتفية بومضات تكون أحيانا واجهة لحالات وان كل لفتة أو انعطافة من الملك تأتي بشيء جديد وتحمل شيئا جديدا . ويؤكد الملك أن لا بد من تجاوز ركود الحالة وخلق حركة نشطة في الواقع .
في هذه الصورة الحاضرة إشارة مهمة إلى الاتجاه الذي ينمو فيه حب القائد لمواطنيه نحن فيها أمام هموم اجتماعية ووطنية وسياسية ، ويطمح فيها الملك من خلال الرؤى المستقبلية إلى خلق مجتمع أكثر عدلا وجمالا ، إن الحاجة إلى رفع مستوى معيشة الناس في تلك البقاع الفقيرة مطلب عزيز ، يريدنا الملك أن نكشف الغطاء عن مدى اهتمام مؤسسات الدولة في تلك المنطقة ليكسر الهمس وليشير بيده إلى الطريق ، ولتكون الزيارة وصية في رفض السكوت أو الوقوف على الحياد . حزينة دواخله بصورة يتمزق لها في أعماقه ويحمل في صدره غصة تضيق علية أنفاسه حينما يطل على وطنه تحاصره الظروف الصعبة وأعصابه تتفتت ضيقا وذرعا ورغم ذلك يتقدم أمام شعبة ينسيهم تعب الماضي ولياليه وأيامهم المهمومة ودونما النظر إلى الوراء إطلاقا يأمر ببناء مساكن للفقراء تقيهم حرارة الشمس اللاهبة ويجهز المباني لذوي الاحتياجات الخاصة ، وليقر عينا ويطمئن حتى تأتي الخاتمة التي توضح كل شيء إنهم الهاشميون الطامحون ينشدون المحبة وينشرون الألفة والعلاقات النقية في عالم ماتت إنسانيته ، إنهم يحلقون في سماء واقع خال من المنغصات ومن كل ما يثبط العزائم .
في كل زيارة ملكية يأخذ الملك طريقة السليم كالمعتاد حيث توفر للناس إحساس مذهل بأن لا حواجز أو فوارق شاسعة بين رأس الهرم وقاعدته العريضة ، أو على الأقل توصيل مناخ لاقط مبني على امتلاك عصب التعبير الواصل بين الحس الوافر الذي يتقد به فؤاد الملك والناس فالزيارات اقرب ما تكون إلى ومضات تم اصطيادها بوعي الملك وانتباهه ، نحن أمام نموذج يمتلك وعيا خاصا لا تمنعه انهماكات السياسة عن الانتباه إلى ما هو داخل الوطن يواكب مسيرة وطنه ومواطنيه وما يتميزون به ليس بعيدا عن همومهم الذاتية ليقطع شوطا جيدا في عطائه ليستحق الملك أن يكون رمز الفعل وأبوة طافحة بالعطاء كلها اجتمعت بشكل فريد ومتميز في شخصية ملك إنسان .