رحم الله السيدة " سميرة " التي كانت مواظبة على المجيء يوميا الى "مطعم الرحمة التابع للكاريتاس الاردنية " . اصبح هو بيتها الثاني ، واصبحت أجواؤه الاسرية جزءا من روتين حياتها اليومي .
قبل ايام ، لم تأتي سميرة الى المطعم ، كما اعتادت منذ تأسيسه قبل عامين الا نيّف . فقد أخذها القائمون على المطعم الى المستشفى ، نظرا لسوء حالتها الصحية، ومكثت بضعة ايام ، واخرجوها بعد ايام الى ملجأ ... وتوكلت جمعية كاريتاس بكل شيء.
وقبل يومين، رحلت الى الملكوت ، وشارك اعضاء من كاريتاس بالمراسيم، وتفاجأوا ان ليس لها أي أحد في هذا الوجود، لا للبكاء ولا لمتابعة المعاملات ، ولا لحمل التابوت الخفيف ... ولا لفتح باب العزاء . فما كان من موظفي المطعم ومتطوعيه الا أن جمعوا بعض تبرعات منهم شخصيا ، ليقدموا طعاما على مدار يومين ، هو طعام الرحمة الخارج من مطعم الرحمة ...
رحلت سميرة ، مع عكازها ، وصوتها المبحوح ... وكلمات الشكر التي كانت تطلقها يوميا ، تجاه كل من يمد لها يد المساعدة ... وبالاخص جمعية كاريتاس التي كانت لها كل شيء في آخر سنواتها ودقائقها على الارض .
رحلت وتركت وراءها تساؤلات عديدة ... لماذا وصلت الى حياة الفقر المدقع ؟ ومن المسؤول؟ واين اهلها وذووها ؟ ولو لم تجد كاريتاس في دربها ، فمن كان يهتم بها ... ؟ وكذلك ، هل بيننا اشخاص بمثل حالتها ولا ندري بهم؟ وهل صحيح ، أنّ لها ، كما سمع كاتب هذه السطور ، شقيقا كان يهتم بها من بلاد المهجر، ويرسل لها النقود، ولكن أحد "أولاد الحلال" كان يأتي على حقها ويأخذه له ؟ ونقول في قرارة نفوسنا: مؤلم جدا يا عالم ان نرى الفقر الى هذا الحد الذي يجعل الانسان معزولا ومهملا ، ولا نصير له لا في حياته ولا في مرضه ولا في رحيله .
وتؤشر لنا سميرة بعكازها الذي صار عصا الترحال الاخير: " توقفوا عن التساؤل ! ولا تتوقفوا عند هذه التفاصيل، فلن تجدوا جوابا شافيا على ارضكم : قولوا فقط : الله يرحمها ، وشكرا كاريتاس ... ، وسلاما لكم من فوق، من أمام الرحمة ، يا اهل الأرض أجمعين" .