حزب «التيار الوطني» حزب أردني كبير، ويرأس الحزب الشخصية المعروفة «عبد الهادي المجالي» ومعه ثلة محترمة من الشخصيات الأردنية المعتبرة كذلك، وهم في أغلبهم من رجالات الدولة الذين كان لهم دور على صعيد الوزارة أو المجلس النيابي أو الجهاز العسكري أو مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، وقد لمع نجم هذا الحزب في سنوات سابقة خاصة عندما كان عبد الهادي المجالي يحتل موقع رئاسة مجلس النواب لأكثر من دورة برلمانية، وكان هناك بعض التحليلات التي رأت حينها أن الحزب يمكن أن يشكل الواجهة الحزبية الرسمية للدولة، لكن الحزب تعرض لانتكاسة كبيرة في انتخابات (2012)، حيث أن قائمة الحزب الوطنية على مستوى المملكة لم تحصل إلا مقعداً واحداً، مثل كثير من الأحزاب الصغيرة.
أود أن أشير أولاً إلى دور رئيس الحزب، حيث أنه قدم جهداً يستحق التقدير والاحترام بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مواقفه السياسية المختلفة ، فهو شخصية سياسية من الطراز الأول، ويتمتع بحس وطني عميق، وعندما كنت ناطقاً باسم حزب جبهة العمل الإسلامي في العقد السابق قمت بتوجيه انتقادات سياسية قاسية وشرسة بحق الرجل، ولكنه كان يتقبل تلك الانتقادات بروح سياسية عالية ، وكان يرد على تلك الانتقادات عبر الصحف بطريقة علمية رصينة تخلو من الغضب او التعصب ، وعندما كنت أقابله كنت أحظى باحترام كبير ولم ألمس أي درجة من درجات العتاب أو اللوم بل على العكس تماماً، كان يمد يده للتعاون والمشاركة.
كنت أستمع لكلام الرجل وهو يتحدث عن المعاناة الحزبية التي كان يكابدها وهو يفيض مرارة، ولذلك لم يكن خيار حل الحزب المطروح خيارا سهلا او مفاجئاً وليس من باب المناورة، بل يمثل صرخة حزبية مدويّة يستحق الدراسة والبحث والنظر من كل مؤسسات الدولة ومن أعلى المستويات لأنها تعبر عن حالة حقيقية تمثل مرحلة سياسية في غاية الدقة وعلى درجة عالية من الأهمية، ويجب أن لا تمر تلك الصرخة بسهولة، وينبغي أن لا يتم التعامل معها بلا مبالاة أو ببعض عبارات السخرية والتهكم، لأن وضع الأحزاب الأخرى ليس أحسن حالاً ولا مآلاً..
صرخة التيار الوطني ينبغي أن تؤدي إلى إعادة النظر بالحالة الحزبية بمجملها، ويجب أن يتم التداعي للحوار من رجالات الأحزاب ووزارة الشؤون السياسية ومن جميع الذين يمارسون العمل السياسي ومن كل المهتمين بالشأن السياسي على الصعيد الرسمي والشعبي، وينبغي الإجابة على السؤال الكبير المطروح علينا جميعاً: هل نريد أحزاباً سياسية أردنية؟ وهل نريد تطوير الحياة السياسية لدينا بإرادة حقيقية جادة؟
الأردن ليس بدعاً من الدول، وليس مطلوبا من الأردنيين اختراع العجلة من جديد، حيث ينبغي الاتفاق القطعي أنه لا مجال لممارسة الديمقراطية بغير الآلية الحزبية، ولا مجال مطلقاً لتطوير الحالة السياسية دون الأطر الحزبية، وهذا لا يعني بحال الابقاء على الحالة الحزبية السابقة ولا الاقتصار على الشكل الأيدلوجي السابق الذي سبغ الأحزاب العربية كلها على وجه الاجمال، ويمكن القول إن هذه الحالة أصبحت جزءاً من التراث العربي، ولا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بالبرامجية، بعيداً عن السمة الدينية والطائفية والمذهبية والقومية والعرقية بكل أشكالها وأنواعها.
يجب الاتفاق ايضا ومنذ البدء في الحوار حول هذه المسألة الاكثر اهمية أن عملية انشاء الأحزاب السياسية الحقيقية هي مسؤولية وطنية كبرى وتمثل اولوية سياسية متقدمة، ويتحمل الشعب الأردني والدولة الأردنية كلها بكل مؤسساتها وأطرافها عبء هذه المسؤولية والحرص على تحقيق النجاح الضروري بها، ولا يجوز القاء اللوم على الأحزاب السابقة بأي شكل من الأشكال، ولا يجوز التملص من هذه المسؤولية الوطنية من خلال اطلاق عبارات التهكم على الأحزاب والسخرية مما أنجزت وقدمت، حيث أنها مجرد محاولات وطنية لملء الفراغ، ومن يستطيع أن يقدم شيئاً عليه أن لا يبخل على وطنه وشعبه.
الأمر الآخر الذي يجب أن نصل إليه آجلاً أم عاجلاً أن الانتخابات وتشكيل الحكومات البرلمانية ينبغي أن تكون من خلال برامج سياسية جماعية تخضع للاختيار الشعبي، ولا سبيل لايجاد برامج سياسية إلاّ من خلال أحزاب وأطر سياسية شرعية معلنة، وهذا ما تعارفت عليه كل الدول وكل شعوب الأرض، بلا استثناء، وليس هناك طريقة سياسية معاصرة أخرى بديلة، ولذلك لا مناص أمامنا من حصر الانتخابات البرلمانية عبر الأطر السياسية المقننة والمتاحة لكل الراغبين في العمل السياسي.
إذا لم تتم المعالجة، فسوف تكون نهاية جميع الأحزاب على طريق حزب التيار الوطني ولو بعد حين.
الدستور