يكتب بعض العرب عن التخلف في بلادهم كما لو انهم مستشرقون، وتشغلهم الارقام والاحصاءات عن متوسط الدخل ومتوسط العمر ونسبة الامية، وهم ليسوا بحاجة الى كل ذلك رغم ضروراته الاكاديمية، اذ يكفي لواحد من هؤلاء ان يفتح نافذة الغرفة التي يكتب فيها حتى يلفحه زفير التخلف وهو زفير دونه زفير الضباع؛ لأن التخلف ليس موضعيا او بقعة هنا واخرى هناك، انه مبثوث في النسيج كله، وفي تفاصيل الحياة اليومية من الاستيقاظ حتى النوم، ولأن زفير التخلف سام؛ فالناس يستيقظون بعيون نصف مفتوحة ويستمر التثاؤب حتى الغروب، اما النوم فلا استغراق فيه؛ لأنه دائما على موعد مع الكوابيس.
ان فحص عينة من التخلف يكفي للتأكد من ان اعراضه هي الانيميا الجسدية والذهنية، وضعف المناعة وسرعة العدوى، ويغفل هؤلاء الفقهاء مسألة بالغة الاهمية هي ان للتخلف كما التقدم قوانين نمو وتراكم وهو ليس متجانسا بين مجتمع وآخر، فهناك في العالم من يصفون الانسان بالتخلف اذا بصق على الرصيف او رمى علبة سجائر فارغة او ورقة من نافذة السيارة، وبالمقابل هناك من يلعنون التخلف علانية ويمارسونه سرا، فهم رغم حفظهم للقوانين يلجأون الى التقاليد والاعراف.
ورغم عشقهم للنساء يئدون بناتهم وشقيقاتهم ثقافيا وانسانيا، فالوأد ليس جاهليا فقط او جسديا، وقد يكون الوأد المعنوي هو الاكثر فظاعة وفظاظة؛ لأنه يسجن الكائن داخل جسده ويعيش حياته في زنزانة من لحم وعظم!.
التخلف خصوصا في عالمنا العربي ليس نادرا او يتطلب البحث عنه بالمجهر، انه ماثل بكامل رائحته وقسوته الوحشية في الشارع وعند اشارات المرور وفي طوابير الكاز والخبز عندما تكون هناك ازمات!
والهروب من التخلف كما هو في الواقع الى الارقام والمقاربات الاحصائية به قدر كبير من التجريد ومحاولة تبرئة الذات من حصتها منه.
والمفارقة هي ان تكون بعض الكتابات عن التخلف متخلفة، ففاقد الشيء لا يعطيه ولن يعطيه على الاطلاق!!.
الدستور