يتنكب الكذابون فالوقت لم يعد يتسع
عدنان الروسان
17-10-2017 09:33 PM
في الدول التي تحترم نفسها و لا أقول الدول المتقدمة ، تقوم الدولة بعملية مراجعة دورية لسياساتها ، و تناقش الأخطاء التي وقعت فيها و تقوم بتصويبها بل و تفاتح الرأي العام بها و قد تعتذر عما وقعت به من أخطاء حتى يبقى التواصل بين الدولة ( بالمعنى المصطلحي ) و الشعب قائما على الثقة المتبادلة ، غير أننا نرى حالة يرثى لها في الأردن من علاقة بين الدولة و الشعب ، و من المضحكات المبكيات أننا كلما حاولنا أن ننتقد الأداء الحكومي أو أداء مؤسسات الدولة هب كتاب و سحيجة الدعسة السريعة لمحاكمة الكاتب و ليس مناقشة الفكرة ، و تحول النقاش فور إلى خانة الولاء و الانتماء ، و صار الولاء و الانتماء كمصطلح الرأسمالية في الدول الشيوعية القديمة أو المكارثية الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي ، حيث يقوم طابور المنافقين الأردنيين باسكات أي صوت يتحدث عن الفساد أو الأخطاء أو الأداء السيئ و يتهمون من يتحدث به بأنه معارض و كأن المعارضة كفر يدخل النار.
حينما يقوم سياسي مخضرم مثل عبد الهادي المجالي و هو من عظام رقبة النظام بحل الحزب الذي بناه قبل أكثر من ربع قرن و اعتزال الحياة السياسية و الحزبية فإن هذا يؤشر إلى خلل كبير بغض النظر عن رأي كل واحد بشخصية السيد عبد الهادي المجالي فالفكرة ليست في الشخص بل بحل الحزب ، و حينما تقوم الدولة بتهميش الأحزاب و تدمير دورها كليا ، بل تقوم بتهشيم الأحزاب و قد تقوم بخلق بعض الشخصيات لتقود أحزابا كرتونية ، شخصيات لا تعرف ألف باء الحزبية أو السياسة و لا تفك الحرف في اللغة و الخطاب السياسي و لا تفرق بين التكتيك و الإستراتيجية و لا تعرف تاريخ الحياة الحزبية و قد يكون بعضهم إن لم يكن جلهم لم يقرأ كتابا في حياته قط .
حينما تقوم أحزاب كثيرة بالتفكير جديا بحل نفسها و الانسحاب من الساحة السياسية و تركها للرويبضة فهذا يدل على حالة الإحباط و الاحتقان الذي قد ينقلب شيئا آخر إذا ما جاءت ظروف تستوجب إن ينحاز كل مواطن إلى فسطاط معين ، و حينما تقوم الدولة بتدمير التيار السياسي الوحيد المعارض الذي كان يمكن أن تبرر به كل ما تريد أمام ضغوط الدول الكبرى و تخلق مكانه كيانا هزيلا تسميه بنفس اسم الكيان الأم و هو ليس أكثر من ملجأ للعجزة و لم يتمكن من تحقيق أي نجاح يذكر رغم الدعم الرسمي الكامل له و رغم كل المغلفات البنية المملوءة بالدنانير الجديدة التي وزعت على كثيرين ممن مرسوم على جباههم علامات السجود ، و حينما يصبح المخبر للدولة على حزب أمينا عاما له فلك أن تفكر يا هداك الله بأي حال يمر الأردن.
الأوطان لا تبنى بالأغاني و الأهازيج و المارشات العسكرية و لا بصور ألف ليلة و ليلة على صفحات الفيس بوك و لا بتأليه الحاكم فالحاكم من أبناء الشعب و من المفترض أن وظيفته تكليف لا تشريف ، و هو ليس بحاجة إلى سحيجة و منافقين و لصوص يحيطون به بل بحاجة إلى أبناء البلد المخلصين ، بحاجة لمن يقولون الحقيقة خوفا على الوطن و الحاكم لا خوفا منهما ، بحاجة إلى الذين تبكي عيونهم في جوف الليل على هذا الوطن أن يضيع ، الحاكم بحاجة إلى من يصدقه القول و ليس لمن يهز رأسه له .
لقد وصلنا و باعتراف الدولة و مؤسساتها إلى حافة الهاوية و لم يعد أمام الدولة حتى تدفع رواتب الموظفين و مصاريف اللصوص إلا أن تبقى متابعة بتشليح المواطنين أخر ما في جيوبهم من دراهم و لا يدري أحد إلى أين ستصل بنا الأمور ، فالدين العام أكثر من الناتج المحلي الإجمالي و الذين يتحدثون عن بعض التقدم في الأداء الحكومي و التحسن في الأداء الاقتصادي إنما هم كذابون لا يخافون الله ويحاولون استخدام أخر ما تبقى في جعبتهم من المخدرات لتخدير الشعب الأردني الذي بات على وشك الانبطاح التام أو الثورة لا سمح الله .
الوضع خطير ، أنا أقول و ليصمت المنافقون ، الوضع خطير ، مافيات التخويف و التحصيل من المواطنين تنتشر في كل مكان و الدولة تعرف ، و الانتحار زاد و في أخبار عمون هذا الأسبوع أكثر من ثلاثمائة بالمائة ، و المعارضة من خارج البلاد و التي لم تكن موجودة باتت تتسع و تستخدم خطابا سياسيا غير مألوف و الذين يقولون أنها غير ذات أهمية يسيئون التقدير ، و خيبة الأمل لدى الشعب الأردني من الدولة و الحكومة في أسوأ أحوالها و هم لن يقفوا مع الدولة إذا طرأ طارئ لا سمح الله و لن يرموا بأجسادهم تحت الدبابات كما فعل الشعب التركي ليلة الانقلاب الفاشل العام الماضي .
مرة أخرى يحتاج الملك إلى نظرة متأنية و وقفة جادة و أن يتخذ قرارا جريئا بالبدء بمعالجة الموقف ، و لنستفيد من الدرس المغربي الأخير بمواقف ملك المغرب الحادة مع الفاسدين ( رغم أنها ليست كافية ) إلا أنها بداية تستحق الدرس ، على الملك و سوف يحاسبني المنافقون على كلمة ( على الملك ) و سيقولون من أنت حتى تقول للملك على الملك و أنا أجيبهم أنني مواطن ، و لكن لست سحيجا و لا منافقا بل من أبناء الأردن الذين يفدون تراب الأردن بأرواحهم و لا يبيعون الأردن بشرهة أو سكرة ، أقول على الملك أن يلحق الأردن قبل أن تقع الفاس بالراس و نقول ياريت إلي جرى ما صار ، و على السحيجة و الكذابين ان يتكبوا فالوقت لم يعد به من متسع لهم.
قبل أن أغادر بلاش من رفعة أسعار الخبز مش وقته و أنا لكم ناصح أمين و دشرونا من حكايات الدفع و الرفع فقد ربها الناس على ايد عبد الكريم الكباريتي و عرفوا أن حبل الكذب قصير.