النور الموعود: بين الحقيقة والخيال
د.مروان الشمري
16-10-2017 07:29 PM
على درب من سبقوه في الدوار الرابع واخرهم دولة السيد عبدالله النسور، أكمل دولة السيد هاني الملقي سلسلة التصريحات التي حفظها الاردنيون عن ظهر قلب بدءا من الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وضبط الإنفاق وشد الأحزمة وانتقالا للمصارحة وتوعية المواطن بطبيعة الظرف الاقتصادي الصعب والانعطافة التاريخية التي لم تنتهي دورتها منذ عشرات السنين وظروف الإقليم التي لم تتغير كثيرا منذ عشرات السنين أيضا وتأثيرها علينا اقتصاديا (تذكروا ان قرار استضافة اللاجئين كان حكوميا بحتا دون الرجوع لمؤسسات التمثيل الشعبي)، واخيراً بإطلاق وعد للأردنيين بانفراجة في العام المقبل يأتي على هيئة نور سيراه الأردن إذ اننا وحسب فهمنا لتصريحات دولته نعيش في ظلام وننتظر إديسون جديد لنرى نورا أشبه ما يكون بقصص الخيال وأساطير الحكايات والخرافات.
دولة الرئيس يعي تماما ان هكذا تصريحات ليست واقعية بالنظر لحجم المشكلة الاقتصادية وعمقها وانقطاع أو توقف المساعدات باستثناء المساعدة الامريكية وبضع منح أوروبية، ويعلم دولته ان ٨ أشهر لن تكون كافية أبدا الا في مخيلة من يحلم نهاراً أو من يحيد عن المنطق لتسكين الناس وتخدير مشاعرهم مؤقتا وذلك لتمرير بضعة قوانين واجراءات باتت معروفة وواضحة ومكشوفة. دولته يعلم ان هذا هو أسلوب مستهلك ويعلم انه لا علميا ولا واقعيا ولا منطقيا يمكننا حل مشكلة المديونية في ٨ أشهر ولا يمكننا زيادة الإنتاجية في هكذا مدة ولا يمكننا تغيير ثقافة العمل والقضاء على الشللية والمحسوبية والاستئثار بصناعة القرار في ٨ أشهر، ويعلم دولته انه لا يمكننا دخول أسواق اوروبا في هكذا فترة لأننا لا نصنع أصلا الا القليل مما يصدر، يعلم دولته اننا لن نستطيع زيادة مساهمة القطاع الزراعي في اجمالي الناتج المحلي في ٨ أشهر ويعلم ان هامش الإنفاق سيتقلص حتما ويؤثر سلبا في دوران عجلة الاقتصاد ويعلم دولته ان البطالة في ازدياد لغياب اليات تحفيز حقيقي لبيئة ريادية ولغياب اليات التمكين والاستدامة للأعمال الصغيرة والمتوسطة ويعلم دولته ان حكومته لا تؤمن بالشراكة الحقيقية المنتجة مع القطاع الأكاديمي والباحثين والخبراء المستقلين ممن يقدمون مشاريع واقعية بديلة لاقتصاد محلي وطني حيث يُؤْمِن وزير تخطيطه ان لا حل الا عن طريق الاستمرار في الاستدانة مرة من اوروبا ومرات من صندوق النقد.
يا دولة الرئيس:
سبق وان حذرنا من ان توسيع الشرائح الدافعة للضريبة نزولاً سيساهم في تقليص حجم ما تبقى من الطبقة الوسطى، تقليص هامش الإنفاق، وهو ما يمكن ان يؤدي لركود وهو ما لا نريده. ثم انه قد ينعكس على جودة التعليم والغذاء بمعنى ان العائلات ستضطر لشراء ما هو اقل سعرا وأقل جودةً وهو أيضا ما لا نريده لأنه يساهم في تنشئة مجتمع واجيال غير صحية لا تعليماً ولا جسديا.
يا دولة الرئيس هل لك ان تطلعنا الحكومة على ما قالته للصندوق كي نتمكن من تتبع جميع ال letters of intents وبذلك نبين منحنى الأداء وماهية الإنجازات المتحققة ان وجدت أصلاً، اطلعونا على رسالة النوايا للبنك الدولي والتي تشرح فيها الحكومات المقترضة من صندوق النقد والمرتهنة له بسياساتها الاقتصادية طبيعة ما تحقق وما ستتخذه من إجراءات مقارنة بما طلبه الصندوق وهنا ستتبين صحة ما قاله الملقي عن ضرورة مفاوضة الصندوق حول الشروط التي طلبها وسنرى ان كانت الحكومة تفعل ذلك ام تبيعنا كلاما.
يا دولة الرئيس: ان النور الذي يريده الاردنيون هو نور من انتاج محلي واقعي يؤسس لمرحلة يسود فيها القانون ومعايير الكفاءة وتختفي فيها الطبقة التي امعنت خرابا في اقتصاد البلاد وجعلت منه مرتعا لوصفات الخراب. النور الذي نريده هو مشاريع وطنية قابلة للتطبيق والاستمرار ومن ثم التوسع. النور الذي نريده لا تعرفه يا دولة الرئيس فوزراؤك معظمهم لا يعيشون أيامنا ولا يعرفون احلامنا ولا واقعنا ولا ما نعانيه في قرانا وبوادينا ومخيماتنا.
شتان ما بين الحقيقة والخيال يا دولة الرئيس فكن واقعيا ولا تسهب في الوعود فكل شيء موثق الان وسيكتب التاريخ ذلك ويوثقه ثم يسألك شعبك عنه.