قبل كم يوم، وبحضور خَمسْ ست سبع رؤساء حكومات سابقين، تحدّث نائب رئيس الحكومة الأسبق د. مروان المعشر عن ظاهرة الغياب الفاجع لرجالات الدولة. ولعلّه كان يتوقع أن يسمع من أحدهم تعقيباً أو تفسيراً، وهو ما لم يحصل، مع أن القضية أو التوصيف الاتهامي لهم ليس جديداً.
في لبنان كلمة مشهورة يقولها من لا يريد أن "يحمل السلّم بالعرْض"، ومن يُفضّل أن يشتري راحة رأسه: "حادَتْ عن ظهري... بسيطة". يعني تقريبا نفس ما نقوله نحن: "وأنا مالي"، عندما يكون الحكي أخو وجع الرأس.
هذا بالنسبة لظاهرة غياب رجال الدولة في الأزمات، والتي كان تحدث بها صاحب الجلالة قبل بضعة أشهر، وما يزال الموضوع بانتظار أن يتولاه الإعلام بما يستحق من الجدّية والمتابعة، ما دام أن رجال الدولة الغائبين او المغيبين لا يريدون الحكي.
موضوع آخر تسّرب للنقاش في أكثر من مناسبة أخيرة، لكنه في كل مرة كان يتسرب أو يتبخّر بسرعة قبل أن يحظى بما يستحق من نقاش رجالات الدولة والإعلام. هو موضوع موقع العشيرة في البناء الوطني الأردني، وكيفية إدراجه المفترض في إطار الدولة المدنية ومفهوم المواطنة.
هذا الموضوع أُثير آخر مرة قبل بضعة أيام وتعّرض للنقاش على السوشيال ميديا بأسلوب "المراجدة"، تماماً مثلما كان أثير في موسم الحج الماضي، وفي مناسبات عديدة سابقة.فيها كلها كان يُفترض أن يحظى الموضوع بالتناول الواضح المنطقي المتكامل والهادئ، باعتباره قضية وطنية من الدرجة الأولى التي تعرضت لها الأوراق النقاشية العامة.
موضوع ثالث وآخر رابع، وكلّها في نفس الدائرة المخرومة التي تتسرب منها المياه النقاشية الجادة: موضوع سرقات الكهرباء، وموضوع برنامج التصحيح الاقتصادي وطريقة الالتزام الصعب باتفاق صندوق النقد الدولي.
في الموضوعين هذين كانت الشفافية غائبة، وعلى نحو يوسّع باستمرار في فجوة الثقة بين الدولة وبين الناس.
نشكو من غياب رجال الدولة، ومن عدم الجدية الكافية في مناقشة قضايا من الدرجة الأولى، مثل خيارات الأردن في مرحلة ما بعد داعش ومثل موقع العشائرية في الدولة المدنية، ومثل الاعتداء على المال العام وطريقة إقناع الناس بتحمل تبعات الإصلاح الاقتصادي. نعم نشكو ونكرر الشكوى مرة وثنتين وثلاث، ثم يذهب الواحد منا إلى بيته ليأكل ويغسل يديه وينام، وكأنه يقول: وانا مالي.