السياب .. غريب على الخليج
16-10-2017 11:43 AM
عمون- نظمت ندوة الثقافة والعلوم، بالتعاون مع «أثر» للفنون والآداب، أمسية شعرية موسيقية بعنوان «غريب على الخليج» في ذكرى مرور 90 سنة على ميلاد رائد الحداثة الشعرية الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب.
حضر الحفل سلطان صقر السويدي، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وأعضاء مجلس الإدارة، والأديب عبد الغفار حسين، ونجل الشاعر الراحل غيلان بدر شاكر السياب، ولفيف من المهتمين والحضور.
قدمت الحفل الدكتورة بروين حبيب التي ألقت الكثير من قصائد الشاعر مصحوبة بغناء الفنانة مكادي نحاس والفنان أنور داغر.
رحبت بروين بالحضور، وبجهود دولة الإمارات في رعاية الفن والثقافة، وحرص ندوة الثقافة والعلوم على استحضار القامات الأدبية والفكرية والفنية والثقافية في مختلف فعالياتها. وعن الشاعر، قالت إنه ولد السياب عام 1925 في قرية جيكور التي أغرم بها وهام أحدهما بالآخر... وهي من قرى قضاء «أبي الخصيب» في محافظة البصرة، وفي العام 1948 تخرَّج من دار المعلمين العالية قسم اللغة الإنجليزية، كما تثقف بالأدب العربي، خصوصاً المتنبي والجاحظ وأبو العلاء المعري. وأضافت، عاش حياة قاسية لم تخل من المعاناة، فقد أمه وجدته، فعاش مريضاً متخبطاً بكثير من المحن مما صقل شعره العذب، ظل يعاني في حياته من مرض لازمه فترة طويلة حتى قضى نحبه سنة 1964. وتوفي في المستشفى الأميري في الكويت في 1964.
نظم السياب الشعرَ في مستهل شبابه، وكان يشارك في الندوات في المقاهي الأدبية مثل قهوة عرب أو الزهاوي، ولاشك أنّ ثروة السياب اللغوية تجدها واضحة المعالم في قصيدته «غريب على الخليج».
يضعه الشعراء في المرتبة الأولى من رواد الشعر الحديث، وأشهر دواوينه «أزهار وأساطير» و«المعبد الفريق» و«أنشودة المطر» و«شناشيل ابنة الجلبي».
وقد تأثر السياب لغة بما قرأه في الأدب العربي القديم، فكانت لغته قوية التراكيب، كذلك تأثر بأعلام الأدب الإنجليزي فقاده هذا إلى ابتكار أسلوب جديد في الشعر العربي الذي اضطلع فيه هو ونازك الملائكة.
وأضافت بروين في رسالة إلى السياب: مر تسعون عاماً على يقظتك الأولى في هذا العالم، واثنان وخمسون على إغماضتك، وما بين اليقظة والإغماضة مرّ كثير من الموت علينا، أمّا المنافي التي وقفت يوماً وحسبت نفسك أنت الغريب الوحيد على الخليج، فأطمأنك بحرارة صادقة بأنّ كل شيء بات غريباً حولنا، وأنّ الشواطئ عجّت بالفارين من ليل العراق...
شاعرنا الكبير بدر... فهمنا أخيراً أن الشعر يمكن أن يحوّل نهراً صغيراً وضائعاً إلى نهر من أنهار الميثولوجيا، وأنّ اسماً من جنوب العراق يمكن أن يرن صداه أبعد من كل خليج...
«الثانوية» تهدمت يا صديقي السياب والفندق الذي كنت تسكنه أمسى خراباً، أمّا السوق القديم فلم تبق فيها سوى غمغمات عابرين خائفين كأن قصيدتك كتبت اليوم كأنها نبوءة...
فخطى الغريب خطاك آنذاك هي خطانا كلنا الآن في هذا الشرخ المريب لحياتنا.
نردد كلماتك «الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام... حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق».
وأكملت د. بروين: عزيزي الشاعر بدر شاكر السياب؛ في مناسبة ميلادك التسعين، تذكرت شيئاً أردت أن أخبرك به... أنت تعرف كيف أنّنا في العراق نطلق أسماء على الأجيال الشعرية... مثلاً أنت والشاعرة نازك الملائكة من جيل الرواد في الشعر الحر، وبعد ذلك جيل ما بعد الرواد ثم جيل الستينات والسبعينات، ولأن جيل الثمانينات كان يسمى بـ«جيل الحرب»، تصورت أن الجيل الذي بعده سيسمى بـ«جيل ما بعد الحرب»...
لكن الحرب لم تنته، ولذلك تصور يا عزيزي بأنّ الأجيال التي بعدي كلها حتى الآن يمكن أن تسمى بـ«جيل الحرب».
أخيراً، دعني أخبرك بما يسرك يا شاعرنا الكبير: «عراقنا اليوم فيه شعراء شباب رائعون فعلاً... وقصائدهم لن تخيب ظنك بالشعر العراقي المتميز دائماً... إذن أطمئنك بأن جمرة الشعر ستبقى مضيئة وسط الخراب أو بسببه أو برغمه على يد أحفاد وحفيدات السياب ونازك الملائكة، وما كنت أريد أن أقلق نومتك المسالمة يا شاعرنا بهذه الأخبار الغريبة.
لكن أنت تفهمنا وتفهم مثلاً معنى أن نبتعد عن البلد حتى نصبح أقرب، ونرى الشمس في مكان آخر لنتأكد بأنّها الشمس نفسها.
وألقت بروين قصيدة كتبها الشاعر محمود درويش للسياب «موسيقى لأمي»، نذكر بعضاً من أبياتها:
أتذكَّرُ السيَّاب... في هذا الفضاء السُومَريِّ
تغلبَتْ أنُثى على عُقم السديمِ
وأورَثتنا الأرضَ والمنفى معا
أتذكَّرُ السيَّابَ... إن الشعَر يُولدُ في العراق
فكُنْ عراقياً لتصبح شاعراً يا صاحبي
أَتذكر السيَّاب... لم يَجِد الحياة كما تَخيَّل
بين دجلة والفراتِ، فلم يُفكِّرْ مثلَ
جلجامشْ بأعشابِ الخلود. ولم يفكِّر بالقيامة
بعدها...
ومن قصائد السياب ألقت بروين قصيدة «أنشودة المطر»، كذلك ألقت قصيدة «غريب على الخليج»، وفي مطلعها يقول:
الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام
حتى الظلام - هناك أجمل، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه، متى أنام
فأحسّ أن على الوسادة
من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق؟
بين القرى المتهيّبات خطاي والمدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة
كما ألقت قصيدتي «قافلة الضياع» و«وصية محتضر». وغنى أنور داغر من أشعار السياب أغنية «سِفْر أيوب»، كذلك غنى أغنية «جي مالي» من التراث العراقي:
چي مالي والي... بويه اسم الله چي مالي والي... صدقه الله حلو المعاني... بوية اسم الله حلو المعاني... صدقة الله».
واختتم الحفل بتكريم المشاركين وروح الشاعر السياب. (الشرق الاوسط)