معهد الإدارة العامة وتفعيل مبتكر لخدمة العلم
د.عبدالله القضاة
16-10-2017 10:22 AM
لا أحد يشك في أن المؤسسة العسكرية تعلم الشباب مهارات لا تستطيع الأسرة أو المدرسة تعليمها، كالانضباط والالتزام بالقوانين، إضافة إلى أنها تعالج سلوكيات فيها الكثير من معاني الرجولة وتدعيم الاندماج الاجتماعي بين الشباب وضمن الفئات المختلفة.
الجديد الذي يمكن اقتراحه بإعادة خدمة العلم هو المنهجية المقترحة لتنفيذ الخدمة؛ وهذه المنهجية مستوحاة من مضامين الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك والتي جاءت بعنوان "بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة". فالشهادة الجامعية العليا أو المتوسطة لم تعد كافية لولوج سوق العمل، ذلك أن الموارد البشرية تحتاج إلى تنمية قدراتها وتعزيز اتجاهاتها السلوكية وتعديلها في كثير من الأحيان؛ وهذا ما ذهب اليه جلالة الملك عندما تحدث عن الجمع بين العلم والعمل والنظرية والتطبيق لفتح الآفاق الرحبة أمام آبائنا. فقد قال جلالته "... إننا نريد أن نرى مدارسنا ومعاهدنا المهنية وجامعاتنا مصانع للعقول المفكرة، والأيدي العاملة الماهرة، والطاقات المنتجة".
وهنا تكمن أهمية اعادة النظر بالخدمة العسكرية؛ وأقترح أن تكون مدتها خمسة عشر شهرا، منها ثلاثة أشهر يقضيها المكلفون بالتدريب العسكري، ومن ثم يصار إلى توزيعهم على المؤسسات المدنية والعسكرية وفقا للاختصاص. ولا ينتهي الأمر بالتوزيع، وإنما يتم إلحاق المكلفين ببرامج تدريبية يتم تصميمها وفقا للاحتياج الفعلي لكل متدرب تحت إشراف فني من معهد الإدارة العامة والجهات التدريبية في القوات المسلحة، وذلك لضمان الاستفادة المثلى للمكلفين من عملية التدريب في بناء قدراتهم وصقل مهاراتهم وفق أفضل الأساليب التدريبية.
وقد يتساءل البعض حول الكلفة المالية المترتبة على إعادة العمل بخدمة العلم! أجل؛ فعلينا أن نعترف بأن العملية مكلفة على المدى القصير، لكنها على المدى المتوسط أو البعيد تعد استثمارا في الموارد البشرية الوطنية، ناهيك عن إمكانية إيجاد جهات مانحة خارجية أو داخلية، على اعتبار أن التدريب يهدف إلى التشغيل، حيث يحصل كل متدرب على شهادة خبرة بمدة التدريب تؤهله دخول سوق العمل الوطني وربما العربي. ويتم تحويل هؤلاء الخريجين بعد اكسابهم كافة متطلبات التدريب العسكري والمهني وحصولهم على شهادة الخبرة الى جهة مختصة بالترويج لغايات التشغيل مقابل كلفة مالية يتحملها الذي يتم تشغيليه على غرار شركات التوظيف.
كما يمكن أن يكون لوزارة العمل دور محوري في توجيه سياسة التشغيل والتدريب نحو هذه المبادرة الوطنية. وقد نذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال شمول المكلفين بمظلة الضمان الاجتماعي طيلة فترة التدريب، على أن يتم توزيع مبالغ الاشتراكات المستحقة عليهم بين القوات المسلحة وصناديق التشغيل والتدريب والجهات المستقبلة لهذه الشريحة، إضافة إلى دفع مبالغ شهرية متواضعة لكل متدرب وفقا للإمكانات المتاحة.
إن تفعيل خدمة العلم يجب أن ينظر له من منظور وطني، وهذا يعني أن يتحمل القطاع الخاص مسؤولياته الوطنية في المشاركة بتمويل تكاليف هذه الخدمة. كما يمكن في هذا الصدد إنشاء صندوق وطني لهذه الغاية يتم تغذيته من كافة مؤسسات المجتمع المحلي والقطاعين الخاص والعام والمنح الخارجية وغير ذلك من المصادر المتاحة.