أكثر بلد فيه خطوط ُحمراء، هو الأردن، اذ بالإضافة الى عشرات القضايا، التي يتم توصيفها باعتبارها خطاً احمر، يأتي الخبز، أحد هذه الخطوط، وقد كان يقال ان الخبز خط احمر، تعبيراً، عن عطف الحكومات المتتالية، وادراكها ان الخبز امر مهم في البيوت.
في الوقت الذي تعتزم فيه الجهات الاقتصادية ذات الصلة، رفع الدعم عن الخبز، ودفع تعويض نقدي للمواطن، بقيمة 14 دينارا سنويا، ورفع سعره، في ظل ما يقال عن دعم حكومي يبلغ 16 قرشا، على كل كيلوغرام، وحتى يدفع أربعة ملايين غير اردني، اغلبهم من اللاجئين الهاربين بأرواحهم ودمهم وعرضهم، في ظل فقرهم أصلا، ثمن الخبز، كما هو، دون دعم، فأن للقصة اكثر من وجه آخر.
أولا، تقدر الجهات المختصة، ان استهلاك الاردنيين يبلغ تسعين كيلو غراما من الخبز سنويا، وهذا رقم غير دقيق، لان اغلب العائلات الفقيرة، والعائلات ذات الدخل المحدود، تستهلك اكثر من ذلك، والكل يعرف ان كثيرا من البيوت تعيش على الخبز، حتى يشبع اطفالها، مع قليل من بقية المكونات الغذائية، ولدينا عشرات الاف العائلات، التي يعد الخبز وجبتها الأساس، وما هو معه يعتبر إضافة وليس الأساس، تتبعا للقاعدة التي تقول « الخبز الحاف يزيد عرض الاكتاف» .
ثانيا، الاغلب ان كثيرا من العائلات لن تذهب لتقف في طوابير طويلة، من اجل الحصول على مبلغ 14 دينارا سنويا، عن كل فرد، وبهذا المعنى، فأن الخزينة لن تدفع المال، لكل الأردنيين، إضافة الى ان لا أحد يعرف أساسا، إذا ما كان التعويض يشمل كل الأردنيين، ام فئات محددة.
لقد انهكتنا الطوابير، من طوابير الحصول على هوية جديدة، مرورا بطوابير الدعم النقدي، وصولا الى طوابير السيارات بعد اغلاق نفق الصحافة، والفرص متاحة لطوابير جديدة، يقترحها الخبراء.
الحكومات التي كانت تمن في خطابها السياسي، على المواطنين بدعم الخبز، كانت تتغافل عما هو اهم، اذ ان قضية الأردنيين اليوم، ليست الخبز، فماذا نقول عن كل هذا الغلاء، وارتفاع الإيجارات، وفواتير الكهرباء والماء، وكلف العلاج والتعليم، وغير ذلك من قصص، تبقى اهم بكثير من قصة رغيف الخبز، الذي تحتفل به الحكومات، وتعتبره رمزا للحب والود الذي تكنه للمواطنين، بل وصلت حد اعتباره خطا احمر.
من الذي يستحق ان يكون خطا احمر، الخبز، ام تعليم الأطفال، تأمين الناس بالعلاج، تغطية كلف التعليم الجامعي، الحصول على وظائف، مساعدة الشباب على الزواج، وعشرات القضايا الإضافية، بما فيها القدرة على استئجار شقة، او تقسيط سيارة، وغير ذلك من احتياجات طبيعية.
ترميز دعم المواطن برغيف الخبز، ترميز مقصود، حتى يظن المواطن ان الرغيف هو قضيته المقدسة، ويعتبر ان كل شيء غيره، من الطبيعي ان يرتفع، مادام الرغيف، وشقيقته الكبرى، أسطوانة الغاز، خارج نوايا الحكومات برفع الدعم، ولعلي اتجرأ وأقول اليوم، ان عليهم ان يحرروا سعر الأسطوانة أيضا، ويريحونا من قصة الداعم والمدعوم.
حسنا. الان نحن نذهب الى رفع الدعم، وكما هو معروف، فأن آليات التعويض تكون دائما مرهقة، وغير عادلة، ولا تستمر طويلا، واذا افترضنا ان الشعب قبل بتحرير سعر الخبز، وقبل بالوقوف في طوابير طويلة، للحصول على هذه الدنانير، فهل يمكن ان تحل مشاكلنا الاقتصادية، وتتوقف هذه السياسات ؟.
على الأرجح، اننا كل عدة أشهر، سنجد أنفسنا امام حزمة جديدة، فالمشكلة الاقتصادية، تتعمق، ولا تتراجع، وهذا يعني اننا سنشهد خلال العام المقبل، إجراءات أخرى، من بينها الإجراءات التي تم الالماح اليها، وتجنبها مؤقتا، مثل الضرائب على ايجارات الشقق والعقارات التجارية، وصولا الى الضرائب على دخل المغتربين، والاعفاءات الضريبية، وغير ذلك من أفكار تدخرها الحكومات، لساعة صعبة.
بقي الخبز، كما هو، او تم تحريره. لافرق. مشاكل الناس، تتجاوز بكثير قصة الرغيف، هذا على الرغم من اننا نؤكد ان عائلات كثيرة، تعتبره وجبتها الأساس، والذي لايصدق عليه ان يذهب الى المخابز، ويرى الكميات الكبيرة التي يتم بيعها للفرد، بما يثبت ان حصة الفرد السنوية، تتجاوز التسعين كيلو غراما الحكومية، والتي من الواضح ان الذي قررها واحد، من أولئك الخبراء، الذين يرون في البسكويت، بديلا عن الخبز.
ثم ان اغلب غير الأردنيين، المقيمين في الأردن، هم من اللاجئين الفقراء- باستثناء العمالة- وكأن هؤلاء ينقصهم هكذا قرار، ولربما بركة الصبر على هؤلاء، ومراعاة ظروفهم، خير بكثير، من مواجهتهم بهكذا قرار، يزيد من معاناتهم، كلاجئين، امرنا الله جل جلاله، قبل كل شيء، بالوقوف الى جانبهم، وان لا يصيروا ذريعة للقرارات الصعبة، التي بدأت أصلا، قبل حضورهم، بسنين طويلة، حتى لا يصيروا الشماعة التي نعلق عليها مصاعبنا.
الدستور