حين قررت بريطانيا منح فلسطين لليهود إنما كان ذلك لأهداف استعمارية ، وليس ما كذبه بلفور حين تحدث عن عين العطف التي نظرت بها حكومة جلالة الملك البريطاني ، فالمسألة لا عطف ولا عاطفة ، الغربيون هم أكثر الناس كرها" لليهود فقد أحرقهم هتلر وشتمهم في كتابه " كفاحي " معللا" ذلك بأنهم أفسدوا شباب الألمان !! وبين كراهيته لهم هنري فورد صاحب شركة فورد للسيارات الذي فضح أخلاق اليهود التجارية في كتابه " اليهودي العالمي " والذي ما أن نزل الى السوق حتى اشتراه اليهود كي لا يطلع عليه الناس !! كان اليهود مضطهدين في الغرب وكانوا يلزمونهم بلباس معين ويجبرونهم على وضع النجمة السداسية على صدورهم ويأمرونهم بإطالة سوالفهم ورأيت ذلك بنفسي في متحف اليهود في سدني ، كل ذلك انما كان لتحذير الناس من مكر اليهود .
لم يجد اليهود معاملة حسنة الا عند المسلمين : ففي بداية الإسلام رحب بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوج منهم وقال لهم : لكم ما لنا وعليكم ما علينا وأقر لهم بالحرية الدينية " للمسلمين دينهم ولليهود دينهم " لكنهم غدروا وتآمروا وقاموا ببضعة عشر محاولة اغتيال للرسول فكان لا بد من طردهم. ودارت الأيام وإذ بهم مرة أخرى في ظل مسلمي الأندلس فضمتهم حضارة الإسلام وعاملتهم معاملة حسنة تقوم على المساواة في المواطنة والعمل وحق التدين واشتغلوا في حركة الترجمة للفلسفة اليونانية مع المسلمين والمسيحيين ولم يسجل ضدهم شيء فلما انهزم المسلمون في الأندلس تعرض اليهود للاضطهاد .
منذ ان قامت إسرائيل وهي تحمل السلاح لأنها تعيش عقلية القلعة لأن فكرة قيامها كانت في العقل الغربي بهدف التخلص من الوجود اليهودي في أوروبا ولطعن المسلمين وخلق مشكلة مستعصية لهم . إن الدول تقوم على أساس فكرة المواطنة ولا تقوم لدين واحد ولا عرق واحد ولا للغة واحدة . ولو قامت الدول على ذلك فإن كل دول العالم لا بد أن تنشطر وتتمزق . اسرائيل نفسها قامت على أساس أنها لليهود فهل خلت من غيرهم ؟ المسلمون والمسيحيون والدروز والبهائيون كلهم موجودون. وحلم اسرائيل بالدولة النقية ( أي لا يعيش فيها الا اليهودي ) لم يتحقق ولن يتحقق . في أرض 1948 مليون ونصف فلسطيني . في غزة مليون ونصف فلسطيني . في الضفة الغربية ثلاثة ملايين فلسطيني فأين الدولة النقية ؟ بل أين " ملكك يا إسرائيل من الفرات الى النيل " ؟ إن هذه الدولة مصطنعة ومؤقتة لأنها قامت على فكرة مغلوطة لا يمكن أن تتحقق ولهذا تعيش اسرائيل حالة الطوارئ منذ نشأتها فهي مستودع للسلاح والتآمر والقتل ولا يمكن أن يهنأ من فيها لأنه يعيش حالة خوف مستمر . ولولا الإسناد الغربي لهم لما استمروا .
استمراركم إنما هو لضعفنا وتفرقنا وهذه معادلات تتغير والأيام دول بين الناس كما قال تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ). وكل ما يجري اليوم من محاولة فرض حل حتى لو تم ذلك فلن يستمر لأن المسألة تتعلق بعقيدة المسلمين في الأقصى وهي عقيدة لا يمكن التنازل عنها وكل من يقبل بذلك سيذهب إلى مزابل التاريخ وستبقى سورة الإسراء تؤكد لنا في كل صلاة ( وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا" كبيرا" . فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا" لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا" مفعولا" .ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا" . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" . عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا" ).