ما أن وضع إبراهيم قدمه اليمنى على ممر المشاة حتى أصبحت الإشارة الضوئية حمراء اللون فتراجع وتوقف في مكانه على الجزيرة المثلثية الشكل تقريبا عند دوار الملك عبدالله الثاني (الدوار الثامن).
ورغم أن الاشارة الضوئية المخصصة للمشاة ما زالت حمراء الا أن السيارات على يسار إبراهيم متوقفة! لا تجرؤ على الاقتراب من ممر المشاة ولو قيد أنملة! فنظر إبراهيم إلى الإشارة الضوئية المخصصة للمركبات على يمينه ووجدها حمراء اللون أيضا!
استبدت الحيرة بإبراهيم في أمر هذا الموقف، ودارت في أفلاك ذهنه تساؤلات عديدة: "هل تعمل الإشارة الضوئية بشكل صحيح أم أنها معطلة؟ هل هي مبرمجة زمنيا بشكل خاطئ أم أنها مبرمجة بشكل صحيح؟ هل أعبر الممر لأن السيارات واقفة رغم أن الاشارة أمامي تنبض باللون الأحمر؟ أم أنتظرها حتى تعطيني الضوء الأخضر لعبور الشارع؟ ماذا أفعل؟ ماذا أتبع الآن؟ روح القانون أم نصه؟".
وانتظر إبراهيم في مكانه إلى أن تصبح الاشارة خضراء كي يعبر ممر المشاة بسلام وأمان بينما نسمات برودة خريف عمان تداعب جلده وعيون ركاب السيارات المتوقفة شاخصة إليه مندهشة من أمر توقفه! أما شرطي السير فأشار لإبراهيم بأن يعبر! فتساءل إبراهيم: "ألا يعرف الشرطي أن الاشارة الضوئية تومض باللون الأحمر؟ هل يشجعني على مخالفة القانون وهو لا يدري؟ أم أنه يدري بأمر الاشارة ويريدني أن أعبر بضمانته وكفالته وعلى عهدته؟ وما أدراني؟".
تذكر إبراهيم وهو يعيش حيثيات هذه الجدلية القانونية بلحظاتها القصيرة قولا لكاتب هذه السطور: "الحق قانون سنه الله للبشرية، والقانون حق لا يعلى عليه". فتمتم إبراهيم بينه وبين نفسه: "وحقي في عبور ممر المشاة هذا تائه هنا الآن بين إشارتين حمراوين، بين قانونين متضاربين؛ فأين أجد حقي؟ هل أجده عند المهندس الذي كان مهتما بتزيين الدوار بمختلف أنواع الورود وألوانها ولم يكن حريصا على برمجة هذه الإشارات المرورية بدقة لسلامتي وسلامة غيري من المواطنين؟ أم عند شرطي السير الذي يشير إلي بعبور ممر المشاة؟".
في الأثناء جالت وصالت في خواطر إبراهيم صور الحوادث المرورية التي تنشرها المواقع الإلكترونية بين الفينة والأخرى على مدار الأسبوع. وربط بين تلكم الحوادث المؤسفة وما ينجم عنها من ضحايا وبين هاتين الإشارتين الحمراوين. وقارن بين الحالة المرورية في وطنه والحالة المرورية في الغرب عموما عند الإنجليز تحديدا وفي الشرق عموما عند الصينيين واليابانيين بخاصة.
كانت الخلاصة التي رست في ميناء فكره: " هناك لا يضعون إشارة مرورية في مكانها إلا بعد دراسات مستفيضة، أما في هذا الوطن فلا يضعونها في أي مكان إلا بعد حوادث مميتة!".
بغتة أصبحت الإشارة الضوئية خضراء أمام إبراهيم فانشرح صدره وهم بعبور ممر المشاة إلا أن أصوات أبواق السيارات دفعته للتراجع للوراء إلى مكانه حيثما كان؛ فالإشارة الضوئية المخصصة للمركبات أصبحت خضراء اللون ايضا!