السير تحظى بمكانة كبيرة في العقل التاريخي العربي الذي يحفل بكثير منها ويراها مصادر دراسة تؤرخ لأهم الفترات في الحضارة العربية الاسلامية، لذا فالسير هي سمة غالبة في كتابة تاريخنا العربي.
واليوم، ومع عدوى الحداثة باتت السير الذاتية هي من أهم مصادر الكتابة التاريخية، ويروى تاريخنا الأردني في وجهات نظرٍ مختلفة لسياسيين تسلموا مناصب في الدولة في مراحل زمنية مضت.
فمثالاً – لا الحصر- مذكرات الملك الشهيد عبدالله الأول بن الحسين، وجمال الشاعر وعبدالسلام المجالي وهزاع المجالي ونذير الرشيد ويوميات عارف العارف وآخرها عدنان أبو عودة وغيرها.
في هذا المقام نؤكد على أهمية هذه المحاولات من جهة حق الأجيال بالاطلاع على تكوين وطنهم وما مر به من أحداث ولمحاولة الاستمساك بناصية رواية الأردنيين عن حالهم سواء مجتمعاً أم دولة.
والمذكرات هي الفن الأدبي الأصدق تعبيراً عن تجربة إنسانية معاشة رغم أنها في مجال النقد التاريخي تحتاج إلى تأصيل وحذرٍ خاصة مع معطيين هامين هما كتابة صاحب المذكرات لأوراقه ونشرها وهو على قيد الحياة أو وصيته بنشرها بعد وفاته ففي الأولى يأخذ بمحاذير وفي الثانية يريد كشف ما لا يرغب به خلال حياته.
أما المعطى الثاني هو وجود الوثيقة التي تعتبر - في حال صحتها- اللسان الأصدق عن التاريخ.
أمام هذه الحالة، من كتابة المذكرات أو تنطع البعض من الهواة لكتابة السير الغيرية ... ألسنا بحاجة إلى ثورة في ثقافتنا التاريخية لنتمكن من التدقيق في ما يسري إلى العقول !
خاصة وأن المذكرات والسير في مجتمعنا العربي لون أدبي له شريحة كبيرة من القراء، فيبقى التاريخ في عقول كثيرين انطباعات أراد شخص ما توجيهها وتأصيلها في رواية الأردن التاريخية على حساب الرواية الأكاديمية الرصينة التي ندعو إليها.
سنوات قليلة تفصلنا عن الاحتفال بمئوية الدولة الأردنية، وأحوج ما نكون اليوم إلا إعادة استقراء وكتابة تاريخية تمحص وتعيد النظر بالكثير من المرويات التي شابت تاريخنا الوطني.
ثم ألم يسمِ البعض التاريخ على أنه أحد أدوات الدولة لتروي عن حالها .. فاليوم مدعوون لأن نعيد التأمل في تاريخنا ونجد بالبحث ونحفز أقسام التاريخ في الجامعات والباحثين لكي يعيدوا رواية سيرة الدولة الأردنية خاصة مع زخم الوثائق التي لم تصل إليها أيادي الباحثين !