يشكل تعدد وسائل الاعلام وتطورها وسرعة بثها للخبر والمعلومة ، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي ، تحديا كبيرا امام الجهات الرسمية في كيفية التعاطي مع الاحداث التي تصنف بالكبيرة والهامة والحساسة التي تشهدها الساحة المحلية ، بصورة تجعلها تكسب ثقة الشارع ورضاه في اعتمادها مصدرا ومرجعية موثوقة ويعتد بها في الحصول على المعلومة ، بعيدا عن مزاحمة مرجعيات ووسائل إعلامية داخلية وخارجية لها ، تتميز بسرعة نشر الخبر بغض النظر عن مدى صدقيته او موضوعيته ، طالما ان من أولوياتها تحقيق أكبر متابعة جماهيرية ، مستغلة حاجة الشارع لأي تغطية او معلومة سريعة قد تضعه بصورة الحدث ، ولو من باب السبق الصحفي (هذا اذا افترضنا غياب الاجندات المغرضة عن جميع هذه الوسائل الأخرى ) ما يجعل المواطن أسير هذه الأجواء الإعلامية والمعلوماتية التي فرضت نفسها على المشهد الداخلي ، وقد يتحول الى وسيلة اخرى لنقل كل ما يلتقطه من اخبار على نطاق اوسع ، دون التحقق منها ومن مدى صدقيتها.
كل هذا يحدث في ظل غياب رواية الحكومة ، التي ربما يكون لها مبرراتها وحساباتها في التعاطي مع الحدث في الوقت الذي تراه مناسبا ، مراعية في ذلك الابعاد الوطنية والأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الابعاد التي قد تترتب على تغطية الخبر على شكل رد فعل سريع تحت تأثير الضغوط الشعبية وتداول المعلومات والاخبار متعددة المصادر ، التي قد تتخذ شكل الاشاعات او التأويلات البعيدة عن الواقع او الحقيقة . وبنفس الوقت فهي تعي ان التريث في التغطية قد يعني وصولها متأخرة وترك الناس للإشاعات. ما يشكل اختراقا لمشهد الاحداث على حساب الحقيقة التي تمتلكها الحكومة ربما ، بصورة قد تنعكس سلبيا على المنظومة المجتمعية وتركها نهبا للتسريبات المغرضة هنا وهناك ، فقط لان الجهات المعنية لم تحسن التعامل مع الحدث في الوقت المناسب .
ما يجعلنا نؤكد على أهمية وجود خلية أزمة بمرجعية إعلامية رسمية ، تضم ممثلين عن الجهات الرسمية ذات العلاقة ، للتوافق على بث معلومة أولية وسريعة تراعي بها كافة الحسابات والاعتبارات المصلحية الداخلية ، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ، وتتمكن من احتواء رد فعل الشارع ووضعة بصورة الحدث ، وبالتالي تعزيز ثقته واعتماده على هذه المرجعية في تقصي المعلومات والاخبار . ليصار بعد ذلك الى تزويده بالمعلومات أولا بأول وعلى جرعات. في اشارة الى ان حسابات الجهات الرسمية تختلف عن حسابات المواطن المتعطش لالتقاط أي معلومة او خبر عند وقوع أي حادثة، وذلك بغض النظر عن الصدقية او الموضوعية. ما يؤكد في الوقت نفسه، بان الاشاعة تتغذى على غياب المعلومة الحقيقية من مصادر موثوقة، وبالتالي لا يجوز على الجهات المعنية ان تترك فراغا إعلاميا او معلوماتيا يمكن تعبئته من مصادر أخرى، بحجة حساسية الموقف او الخوف من الارتدادات والتداعيات السلبية التي قد تترتب على ما يمكن ان تعتبره استعجالا في التعاطي مع الحدث. فالمسؤولية الوطنية تحتم على مطبخ القرار الإعلامي التعامل بمهنية وحرفية وجهوزية عالية وبحس وطني عال مع الحالات الطارئة ، التي قد تكون لها ارتدادات سلبية داخلية ، اذا لم يحسن اداء دوره في إيصال المعلومة الصحيحة وفي الوقت الصحيح .
واذا ما اسقطنا هذا الكلام على البدايات التي رافقت الحديث عن وجود توجه حكومي لإجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل مثلا ، فقد لاحظنا ان المواطن كان تحت انطباع ان هذه التعديلات تستهدف تخفيض سقف الإعفاءات الضريبية الفردية والعائلية ، ورواتب الموظفين ، وجيوب المواطنين من الطبقة الوسطى والفقيرة وذوي الدخل المحدود ، بصورة اوجدت حالة عامة من عدم الرضا الشعبي ، وذلك قبل ان تدخل الحكومة في حوارات ونقاشات مع مجلسي الاعيان والنواب والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ، وتوضح بان التعديلات انما تستهدف تفعيل منظومة مكافحة التهرب الضريبي وتحسين أليات تحصيله ، بدلا من زيادة الأعباء على المواطن . في إشارة الى أهمية المعلومات التي قدمتها الحكومة عبر التواصل والدخول في حوارات ونقاشات مع الفعاليات المجتمعية المختلفة في اظهار حقيقة ما يراد من هذه التعديلات ، بعيدا عن الاشاعات التي طغت على تفكير المواطن في ظل التسريبات الأولية التي رافقت هذا الموضوع الحساس .
في مقابل صورة أخرى لكنها قاتمة وسلبية اشرت الى تواضع الأداء الرسمي في تقديم المعلومة المطلوبة في وقتها ، عندما تم حشر الجهات الرسمية المعنية في زاوية التقصير في التعامل مع حادثة السفارة الإسرائيلية قبل فترة ، وترك الناس يستقون المعلومات من مصادر اعلامية داخلية وخارجية مختلفة ، بصورة اربكت المشهد الوطني ، رغم ان الحادثة محكومة بمرجعية دبلوماسية ممثلة باتفاقية فيينا لعام 1961 للعلاقات الدبلوماسية . الى ان فرضت الحكمة الملكية حضورها من خلال تدخل جلالة الملك عبد الله الثاني في الحادثة، وارسائه حالة من الرضا والارتياح والاطمئنان في الشارع الأردني.
ما يؤكد على ان الاشاعة تنتشر وسط أجواء تنطوي على احداث هامة ومؤثرة في الراي العام وتمس مصالحه ، وان محاربتها تتطلب الحقيقة والمعلومة الصحيحة .