تلعب الرياضة دورا مهما في تقوية صحتنا الجسدية والنفسية، فضلا عما تحققه من تسلية وبهجة وتشبع في النفس حاجات مهمة للمغامرة والاكتشاف، وما تخلقه من قيم الانتماء والترويج لقيم التعايش الحضاري بين الشعوب ، رغم ما تتطلبه من روح المنافسة.
ولكن هناك أنواعا عديدة من الألعاب الرياضية التي تحرض على العنف، وتكرس للاعتداء على الأخرين، والبعض منها يودي بحياة الانسان مثل الملاكمة والمصارعة الحرة ومصارعة الثيران وغيرها ، بل أن بعضها ينتمي للرياضة الخطرة التي تودي بحياة الانسان في غمضة عين!
فالرياضة ممتعة ومثيرة ولكن حياة الانسان أغلى من أن يفقدها في لعبة خطرة، أو ان تنمي بداخله ثقافة العنف أو ان تفقده عافيته أو عمره في ثانية.
وقد أطلقت على الرياضة العنيفة مسميات عديدة منها: الرياضة الحرة، رياضة الإثارة، ورياضة المغامرات. وكلها مصطلحات تعبر عن أنشطة رياضية تنطوي على درجة عالية من الأخطار المحدقة بممارسها.
وللأسف فان الكثيرين يلجأون لممارسة الرياضة العنيفة ظنا منهم في قدراتها على استعادتهم لعافيتهم ومساعدتها لهم في التخلص من مشكلات الوزن الزائد واشباعها لروح المغامرة لديهم.
وتؤثر الرياضة البدنية العنيفة بالسلب على الفتيات، ومنها الركض مسافة طويلة، ولعب الجمنازيوم، حيث تؤدي الى اصابتهن بحالات القمة العصبي، وتؤخر البلوغ لديهن، كما قد تسبب الرياضة البدنية العنيفة كسباق الماراثون، والجمنازيوم في الاصابة بنوبات قلبية حادة والموت المفاجئ، خاصة لدى الذين يعانون أمراضا في القلب مثل قصور قلبي إكليلي، والمدخنين الذين يعانون ارتفاعا في كوليسترول الدم، وتصلب الشرايين.
وترجع أستاذة الصحة الجسدية بجامعة "فولدر" بفرانكفورت، تأثير الرياضة العنيفة والاصابات بالأمراض، الى إن التمارين الرياضية تستهلك كميات أكبر من الأكسجين؛ مما يضاعف تأكسد الخلايا وتؤدي إلى الوصول لمرحلة الشيخوخة المبكرة، فضلا عن أن الرياضات العنيفة تضعف جهاز المناعة لدى الرجال. أما بالنسبة للنساء، فتؤدي إلى انخفاض هرمون "الأستروجين" وانقطاع الطمث.
ورصد المتخصصون العديد من الرياضات الخطرة ومنها سباق السيارات الفـورمــولا1 التي ينتج عنها حوادث خطيرة تودي بحياة متسابقيها بسبب ما تتطلبه من سرعة فائقة في السباق، فيما يدخل سبــاق الـراليـات في سياق هذه الرياضيات الخطرة بسبب ما تحتاجه ايضا من سرعة فائقة وقدرة على التحمل.
ولا يمكن استثناء رياضة الهوكي من مظاهر العنف، فهي بالرغم من كونها رياضة جميلة, وحماسية ولكن ملاعبها تشهد العديد من الاصابات نتيجة الاحتكاك الشديد والعنف الكبير في معطيات اللعبة نفسها.
أما تسلق الجبال وما تحققه هذه الرياضة من متعة وتفاعل حي مع الطبيعة، فان خطورتها تذهب بحياة الانسان في لحظة واحدة كما حدث مع متسلقة الجبال المصرية هبه الحسيني التي لقيت مصرعها أثناء ممارستها رياضة تسلق الجبال بمدينة مراكش المغربية، بعد أن انزلقت قدمها عقب وصولها قمة جبل طوبقال والذي يعد أعلى قمم جبال الأطلسي الكبير بالرباط، وانزلقت في فجوة يبلغ عمقها نحو 400 متر بمنطقة شديدة الوعورة.
وتمكنت السلطات المغربية من انتشال جثتها بعد مجهودات مضنية في استخراجها مستخدمة طائرة هليكوبتر وقوات متخصصة.
ورغم أهمية رياضة الفروسية في تقوية الجسم و رغم اعجابي بها و انحيازي لها دوما الا أنها تدخل ضمن الرياضة العنيفة لأن الفارس يتعامل مع الخيل وهو كائن قوي وقد يصعب السيطرة عليه وترويضه بما يؤدي الي وقوع العديد من حالات الوفاة خلال اجتياز الحواجز.
بينما تبقي مصارعة الثيران رياضة انتحارية، لأنها تعتمد على مصارعة المتسابق لثور شرس يسعى المتسابق للانتصار عليه بعد استفزازه وضربه بالسهام والرماح التي في يديه وطعنه في ظهره بما يؤدي الى هياج الثور وغضبه وظهور شراسته في صورة طعن المتسابق بقرنيه فيصرع فاقدا عمره الغالي في طرفة عين ، و بالكف الثانية تعتبر هذه الرياضة عنف ضد الحيوان الذي يتم زجه رغما عنه في لعبة خطرة لأذيته و قتله أحيانا ، و هذا امر غير انساني وغير أخلاقي .
مخاطر كبرى
ذهبت معظم الدراسات العلمية الى تأكيد أن ممارسة جرعات زائدة من الرياضة تسبب إجهادا للقلب لضخ كمية أكبر من الدم، مثل سباق الماراثون وتدريبات الترياثلون (سباق ثلاثي، يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات، وينتهي بالجري) أكثر ضررا بالقلب.
بينما ربطت إحدى الدراسات العلمية بين الموت المفاجئ نتيجة الإصابة بنوبة قلبية وبين التمارين الرياضية العنيفة حيث يمكن أن يصاب الشخص بنوبة قلبية خلال هذه التمارين أو بعدها بفترة قصيرة وهذا ما يسمى بالموت المفاجئ .
كشفت احدى الدراسات التي شملت أكثر من 21000 طبيب تتراوح أعمارهم بين ال40 و 84 عاما، وجرت متابعتهم صحيا وبعد 12 عاما كشفت السجلات أن 122 منهم قد توفي فجأة نتيجة أسباب لها علاقة بالقلب و 23 منهم توفوا خلال ممارستهم للتمارين العنيفة أو خلال نصف ساعة بعد هذه التمارين.
وعلق العلماء على هذه الأرقام بأنها كانت أكثر مما كان متوقعا، وهو ما يؤكد خطورة التمارين الرياضية العنيفة خاصة على الذين لا يمارسون الرياضة إلا في أوقات متباعدة وغير منتظمة الخطورة فيواجهون الموت المفاجئ، بينما تقل هذه الخطورة نسبيا لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام.
في اعتقادي ان احتكامنا للعمل يحفظ حياتنا من ان تضيع هباءً في لعبة هنا او هناك، والعلم يثبت لنا حقيقة أن ممارسة الرياضة بدون انتظام أو بطريقة غير صحية، تؤدي إلى تزايد نسبة حدوث الذبحات والسكتات القلبية وحدوث إصابات في المفاصل، وقد تؤدي إلى توقف القلب المفاجئ.
فالرياضة الغير منتظمة والعنيفة تؤدي الي تراكم الشحوم في أطراف الجسد و في الشرايين، وتزيد من نسبة التعرض للجلطات، كما انها يمكن ان تؤدي الى الاصابة بالاكتئاب وتقلب سريع في الحالة المزاجية.
بل ان ممارسة الرياضة المكثفة لفترات طويلة ـ بحسب إحدى الدراسات المنشورة بصحيفة "ديلي ميل" البريطانية ـ قد تعمل على تغير تكوين بكتريا الأمعاء لدى الإنسان مما يسبب عددا من المشكلات الصحية.
هذه الدراسة اعتمدت على فحص الجنود المشاركين في برنامج مكثف للتدريب ووجدوا أن ممارسة الرياضة لفترات طويلة تسببت في جعل حاجز الحماية في الأمعاء قابل للاختراق.
وأوضح الباحثون أن ذلك يعني أن ممارسة الرياضة المشددة لفترة طويلة يسبب "متلازمة الأمعاء المتسربة" وهي حالة تسمح للمواد الضارة بالتسرب إلى مجرى الدم، وهو ما قد يزيد مخاطر الإصابة بالعديد من أنواع الأمراض.
أخيرا، فإننا اذا كنا نؤمن بأهمية العلم في حياتنا، ونؤمن بأن حياتنا أغلى ما نملكه فعلينا ان نحافظ عليها ولا نهدرها في طرفة عين اشباعا للحظة مغامرة او تنفيس. واحتكاما للعلم فإننا يمكننا اشباع هوايتنا بممارسة الرياضة الخفيفة بشكل منتظم لما لها من تأثير صحي وإيجابي على الجسم البشري، خاصة بالنسبة للمبتدئين الذين يجب أن يبدأوا تدريباتهم لفترة قصيرة من الزمن تزداد تدريجيا دون ان يتجاوز مدة 45 دقيقة في مدة التمرين الواحد كما ينصح أهل الاختصاص.