قل لي من يقف ضدك
فأقول لك من أنت!!
خالد محادين
12-12-2006 02:00 AM
القارىء الأردني قارىء قاس و قارىء غير متسامح و لديه قدرة هائلة على قراءة ما بين السطور و حتى قراءة الكلام الممحي – كما يقولون – و من هنا فإن أي كاتب يتوقع أن تكون عبقريته في التعبير أكبر من عبقرية القارىء على التفسير هو كاتب يقع في شر أعماله و كتاباته و إذا أضفنا الى كل ما سبق أن القارىء الأردني يحتفظ بملف كامل و مزدحم بالتفاصيل عن كل كاتب من ماضيه الى إرتباطاته الى مكاسبه الى بحثه عن المكافأة الى إستعداده لبيع الوطن و القيم و المبادىء بحفنة من الدولارات أو الدنانير أدركنا خطورة رهان الكاتب على فقدان القارىء لذاكرته و خطورة أن يرفع ثوبه ليغطي عورة وجهه فإذ هو يكشف ما هو أسوأ من هذه العورة.
الكتاب جميعا كتاب ال مع و كتاب ال ضد متساوون في كونهم عراة أمام القارىء و أية محاولة للفرار من هذه الحقيقة تجعل الكاتب موضعا للسخرية فوق كونه موضعا للإدانة و الإزدراء و عليه فإن كل محاولة من الكاتب لتزيين مواقفه هي محاولة محكومة بالفشل مهما بلغت لديه القدرة على إعلان مواقفه أو إخفائها و مهما توهم في نفسه عبقرية خداع القارىء و دفعه الى تصديق ما يكتبه بل و سحبه من موقعه و موقفه الوطنيين الى موقف و موقع الكتاب غير الوطنيين.
لهذا يجب أن نطلب دعوات الوالدين لنتمكن من مواجهة القارىء الأردني القاسي و المتطرف في ولائه الوطني المؤسس على ولائه القومي. فإذا كانت خيانة الوطن الصغير جريمة كبرى فإن خيانة الوطن الكبير أكبر من كل جريمة و أنطلق من هذه المقدمة للوقوف مع خمس مقالات نشرت في يوم واحد لخمسة كتاب معروفين لدى القارىء الأردني. كانت المقالات متفقة في المضمون و الهدف و مختلفة في الشكل و الأسلوب و هذا أمر طبيعي فالكتاب قد يتشابهون في إرتباطاتهم و في ماضيهم و في تطلعاتهم لكنهم مختلفون في طريقة كل واحد فيهم في التعبير إذ أن الكاتب أسلوب كما يقول البلاغيون العرب.
المقالات الخمس التي نشرت يوم الأحد الماضي جاءت كالتالي:
مقالة فهد الفانك تحت عنوان (حزب سياسي أم مليشيا مسلحة؟!)
مقالة أيمن الصفدي تحت عنوان ( مجد يهدر)
مقالة طارق مصاروة تحت عنوان (أحجية تبحث عن حل)
مقالة جميل النمري تحت عنوان (المسألة الشيعية)
مقالة خيرالله خيرالله تحت عنوان (شهادة نصر الله و السنيورة)
المقالات الخمسة حملت إتهامات خطيرة للمقاومة الإسلامية اللبنانية و لحزب الله و لأمينه العام حسن نصرالله و أقل هذه الإتهامات الطائفية و العمالة و الرغبة في السيطرة على لبنان و العمل على تنفيذ أجندات سورية و إيرانية في المنطقة. مناقشة هذه الإتهامات عملية ساذجة لا نرغب في الإقتراب منها لسبب بسيط هو أن العمالة للآخرين مرفوضة سواء أكانت لسوريا أو إيران أو كانت للولايات المتحدة و العدو الصهيوني لأن العمالة خيانة وطنية و ليست هناك خيانة مبررة و أخرى غير مبررة و خيانة جميلة و أخرى بشعة و هو رأي قد لا يوافقنا عليه بعض أصحاب هذه المقالات الخمسة و الأمر ببساطة أننا نرفض الوقوف في خندق (أكديما) ضد خندق حزب الله و نرفض الوقوف مع أولمرت ضد حسن نصر الله و نرفض الوقوف ضد سوريا أو حتى إيران للدخول في الخندق الأمريكي الذي منه تتم حروب الإبادة على الفلسطينيين و العراقيين و اللبنانيين و الأفغان و ضد عروبتنا و إسلامنا الذي تصفه الإدارتان الأمريكية و البريطانية بالفاشية الجديدة و النازية الجديدة.
هذه أولى أما الثانية فإن من حقنا أن نقول أن الذين مهدوا ووقفوا مع الغزو الإستعماري العسكري للعراق العظيم و عملوا على خدمته تحت راية الأمم المتحدة أو تحت راية العداء للإسلام و للمسيحية الحقيقية و القومية العربية فأثناء الإعداد لذلك الغزو الذي يشهد الآن الفصل الآخير من هزيمته لم يتوقف كتاب كثر على الساحة الأردنية عن مطالبة القيادة العراقية بتسليم أسلحة الدمار الشامل و قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة و الأمر المؤسف أن هؤلاء الكتاب الكثر لم يعتذروا للشعب الأردني و للقارىء الأردني كما فعلت صحف و محطات تلفزيونية في أمريكا و بريطانيا عندما نشرت و بثت أن العراق لم يكن يملك أية أسلحة دمار شاملة و لم تكن له علاقة بتنظيم القاعدة و أعلنت الصحف و المحطات أنها تعرضت لعملية تضليل من قبل الإدارة الأمريكية و الإدارة البريطانية و أجهزة مخابراتها و إستخباراتها أما عندنا فإن كاتبا واحدا لم يعتذر على محاولته الساذجة لخداع القارىء الأردني من منطلق حقده على العروبة و المسيحية و الإسلام و كل ما فعله أولئك الكتاب أنهم توقفوا عن ترديد تلك المزاعم والأكاذيب دون أي شعور بالخجل أو الحياء و يبدو أنهم لا يعرفون الأردنيين جيدا الذين جاءت ولادتهم من رحم الثورة العربية الكبرى وظلوا في إنتمائهم القومي أكبر من كل محاولات لدفعهم نحو الإقليمية البغيضة و إغلاق أبواب الوطن و نوافذه أمام الوطن الكبير الممتد من المحيط الى الخليج.
ما أطلبه لنفسي أطلبه للآخرين و ربما أكثر فمن حق كل كاتب أن يعبر عن موقفه و قناعته سواء أعجبت الآخرين أم لم تعجبهم و لعل هذا ما يحدث الآن في لبنان في هذه المواجهة الديموقراطية بين قوى المعارضة و قوى شباط لكل تلفزيوناته و لكل صحفه و لكل منابره دون أن يجرؤ واحد على الإحتجاج على ندوة أو برنامج أو لقاء أو تصريح يصدر من هذه الجهة ضد تلك الجهة بل أنني لم أتردد عن الصراخ في وجه أحدهم جمعتني و إياه و آخرين زاوية في بيت عزاء و قذفني بسؤال طائفي أسود قال فيه: هل من حق ثلاثة كتاب مسيحيين أن يهاجموا حزب الله؟ و عندما إنتهيت من صرختي سألته من تقصد؟ فقال فهد الفانك و طارق مصاروة و جميل النمري، قلت له هؤلاء لهم مواقفهم السياسية و ليس من بينهم من هو في رتبة كاردينال أو مطران لكنني أود أن أسألك: لماذا لا تشير الى كتاب مسيحيين آخرين يقفون بكل شجاعة و نقاء و إنتماء الى جانب المقاومات العربية و بخاصة حزب الله مثل جورج حداد و ناهض حتر و فهد الخيطان و نهضت مكتفيا بكلمة واحدة ألقيتها عليه: عيب.
بقي أن أشير أن الذين يقفون الآن في صحافتنا ضد حزب الله و مقاومة الشعب اللبناني للهيمنة الأوروبية و الأمريكية و الصهيونية وقفوا و يقفون ضد حماس و ضد المقاومة العراقيةو عندما إنتصر حزب الله عام 2000 في طرد العدو الصهيوني من جنوب لبنان لم نقرأ لهم كلمة واحدة عن هذا الإنتصار كما أننا لم نبادر الى تقديم العزاء لهم على هزيمة العدو و من المأساة أن هؤلاء يعيرون حزب الله بالشهداء الذين سقطوا دفاعا عن وطنهم و كأنهم ماتوا في إنقلاب حافلة كان يقودها سائق غير مرخص في جبال لبنان و عيروه بمئات الأطفال الذين أحرقت أجسادهم الترسانة الأمريكية –الفرنسية-الصهيونية العسكرية و الترسانة السياسية العربية و عيروا حزب الله بحجم الدمار الذي خلفته الآلة الحربية الصهيونية و كأن الشعب الجزائري إرتكب خيانة عظمى عندما ضحى بمليون شهيد و تم تدمير بلده لطرد الإستعمار الفرنسي و أن الشعب الفيتنامي كان يمكن أن يلحق بالإستعمار جريمة العصر دون أن يقدم على درب إنتصاره ثلاثة ملايين شهيد بقيادة هوشي منه و الجنرال جياب اللذين كانت صورهما تملأ جدران بعض الكتاب الأردنيين قبل أن يستديروا مائة و ثمانين درجة فيديروا ظهورهم لليسار و لهدفهم المعلن في إسقاط نظامنا الأردني الراسخ.
و بعد فلا شيء يستفز المهزومين مثل إنتصار الآخرين و لا شيء يضعهم أمام عارهم مثل رأس مقاوم شامخ في فلسطين وفي العراق و في لبنان و كل الشكر للمقاومة اللبنانية و لقائدها المنتصر حسن نصرالله الذي أتاح لنا فرصة أخرى – كقراء أردنيين – التعرف عن قرب على الذين يؤمنون بوعي شعوبهم و صدق إنتمائهم اللذين لا يتبدلان و على الآخرين الذين يرهنون ضمائرهم – أو ما تبقى منها – و أقلامهم التي بات الأردنيون يعرفونها جيدا و لا يشعرون نحوها بأي حد من الإحترام.
kmahadin@hotmail.com