لماذا سقطت أنظمة ربما قوية أكثر من الأردن بينما تماسك الأردن في أيام الربيع إياه وقد سمعنا كلاما وتحليلات من خبراء ودوائر أمنية خارجية ومراكز دراسات كانت ترقب الأحداث وتحلل وتدفع بكثافة هذه التحليلات على وكالات الأنباء , فالأردن كان مرشحا , لكن هذه التوقعات ومعها ربما آمال خابت فقد تكسرت على صخرة قوية , ليست الديكاتورية ولا القسوة الأمنية ولا بنزول الجيش الى الشوارع , ولا بزج الناس في السجون , بل بأسلوب إدارة الأزمة التي كان فيها إنسانية وإحتواء تلقائي بمحبة وتمازج مع الناس في مطالبهم وتعاطف معهم في تذمرهم , وتجاهل تام للإساءة .
قيل الكثير عن كيف نجا الأردن من هذه العاصفة التي تبين أنها مثل عواصف تقع حاليا في الولايات المتحدة ،تقتلع كل شيء ولا تبقي على شيء ساعة الدمار .
هناك من قال أنه قرار دولي وهو سبب عجيب لأن من كان أولى بهكذا قرار ،هي الدول التي حكمتها أنظمة قوية في صلاتها وخدماتها وليس الأردن الضعيف في إقتصاده وثرواته والصغير في إمكاناته , فالعاصفة كان يفترض لها أن تدمر كل شيء ولا تستثني أي شيء وكان مقدرا لها أن لا تبقي على الأنظمة , فالهدف تفكيك الدول وكسر تماسكها لإنهاء مفهوم الدولة والروح التي تعيش فيها إذا تقلب الناس بعضهم على بعض فرقاً وطوائف وأعراقاً ومن ثم دويلات وها هي كردستان العراق تجربة إن جحت فالكرة ستأتي على ما تبقى ,
وقيل أيضا أن الحكومة إستجابت بسرعة لمطالب الناس فهدأت من صخبهم , وقيل أيضا أن سرعة النتائج التي ظهرت إذ تحول الربيع في دول مجاورة الى دم وقتل وتشريد ودمار قادت الى تراجع المتذمرين وخيارهم الأمن والإستقرار وتماسك الدولة والشعب .. قيل الكثير ولكن , نعم قد تكون هذه بمجاميعها أسباباً موضوعية، لكن ثمة سبباً لم يلتفت اليه كثير من الناس .
الملك في الأردن جامع ولا مفرقاً, يلتف حوله الناس على إختلاف أرائهم وإتجاهاتهم وعلى تباين درجات حدة تذمرهم وصخبهم , رضاهم أم غضبهم , الملك في الأردن ملجأ , ففي النهاية لجأ اليه الناس طلبا للإنصاف وللعدالة وقد إستجاب ووقف معهم ضد خصومهم من المسؤولين ومن المتنفذين .
السبب عند المقارنة , هو وراثي طبعا , فقد تميز الحسين رحمه الله أن كان وبقي بين الناس , في بيوتهم وحقولهم ومدارسهم وشوارعهم , وقد خرج لهم من الخندق , وهكذا هو عبدالله الثاني , وهذه طبيعة حكمت سلوك وأسلوب إدارة الحكم في مملكتنا , صقلت طبيعة حكامنا فهم ينظرون الى الناس من مكان بمستوى الخندق يشعرون أنهم في تواضعهم أقل من مواطنيهم , هكذا كان الحسين وهكذا هو عبدالله .
لم يكن حافظ الأسد كذلك فهو طيار , ينظر الى الأرض وإلى الناس من علو وكذلك كان حسني مبارك أما زين العابدين بن علي فهو كان يرى الناس من خلف القضبان , مدنيتين دائما ومجرمين ومتآمرين أبدا , أما الطبيب بشار الأسد فطبيعة المهنة تحكم النظرة أيضا فالناس بالنسبة له مشاريع مرضى يحتاجون الى علاج والمجتمع بأسره يعيش حالة مرضية تحتاج الى كشف مبكر عن الجراثيم .
أما عبدالله فقد بدا من الخندق الذي حفره مه العسكري يدا بيد , وهي أيضا حالة تسقط على طبيعة الحاكم ونظرته الى الناس على مستوى واحد إن لم يكن من أسفل الى أعلى .
هكذا نجا الأردن لأن الملك فيه من الناس ومعهم وبينهم يمنحهم هذا الشعور دائما وأبدا لا بل يشعر من يجلس معه من عموم المواطنين أنهم في مكان أعلى فهو في خدمتهم وخطابه معهم , يا سيدي .
هذكذا نجا الأردن كما يقول الصديق الدكتور سعد شهاب في محاضرة له لعدد من قيادات الإتحاد الأوروبي زاروا الأردن بعد الربيع بقليل وكان هذا أول سؤال يطرحونه ..
الراي