مجتمعاتنا أصبحت”مريضة” .. !
حسين الرواشدة
13-10-2017 01:59 AM
اخطر ما فعلته الدولة العربية بعد عصر الاستعمار هو “تفكيك” المجتمع وتفجير مكوناته، والا كيف يمكن ان نفهم “لغز” سقوط العواصم في عالمنا العربي الواحدة تلو الاخرى..؟
في تجربتنا التاريخية ثمة ما يؤكد ذلك، فقد كانت قوة المجتمع هي السبب الاساسي في الحفاظ على وحدة الدولة، وحتى حين تعرضت السلطة آنذاك للضعف وانسحبت من المجال العام، نهضت المجتمعات لملء الفراغ، ومن نماذج ذلك تجربة “الوقف” التي جسدت افضل نموذج لقدرة المجتمعات – متى تمتعت بعافيتها – على العطاء والحفاظ على الدولة من الانهيار.
ما حدث في عالمنا العربي هو ان السلطة استأثرت بكل شيء، ولكي تضمن استمرارها وتحافظ على امتيازات النخب التي تدور في فلكها، توجهت الى تأميم المجتمع واخضاعه، وبدل ان تستثمر فيه وتنميه، تعمدت تجفيفه وتجريفه، وانشغلت بالعبث في نواميسه، سواء من خلال اشاعة الكراهية بين مكوناته، او تهجير كفاءاته، او ضرب رموزه او افقاره.
تحت سطوة الاحساس بالقهر انفجر المجتمع، وكان يمكن ان نشهد تحولات جادة وصحيحة في اطار اعادة بناء العلاقة بينه وبين السلطة وصولا الى تأسيس الدولة، لكن هذا الانفجار افضى(لاسباب داخلية وخارجية) الى حالة من الفوضى كان عنوانها العنف، وبالتالي خسرنا فرصة “التصحيح” ، واصبحنا امام مرحلة من الهدم ، ولا يوجد في الافق على المدى المنظور، مع غياب الكتلة التاريخية القادرة على انتاج مشروع البناء، اية بارقة امل لاستنهاض المجتمعات مرة اخرى، او توجيه الجسد للخروج من الفوضى والتوحش واليأس الى التعقل والتصالح ، او تكرار واقعة الانفجار بصورة افضل وارادة اكبر.
في ظل تفكك المجتمع، كان طبيعيا ان تنهار الدولة بسرعة، وان يتسيد المشهد “الفاعلون” الذين عانوا بشكل او بآخر من قهر السلطة، سواء اكان هؤلاء يمثلون ميليشيات مسلحة ذات ولاءات ممتدة، او طوائف تشعر بالمظلومية والتهديد،او نخب سياسية وجدت ان مصالحها تتقاطع مع بقاء الوضع على ما هو عليه وان التغيير سيجردها من امتيازاتها، فيما وجد الآخر ، الاقليمي والدولي، ان ثمة فراغا نشأ بعد سقوط الدولة فسارع الى ملئه، وما كان ذلك ليتم بهذه الصورة المفزعة لو ان المجتمعات تتمتع بما يلزم من عافية، او انها محصنة اجتماعيا وثقافيا لمواجهة عواصف الكراهية المحملة على مراكب الدين والطائفة والمذهب، وقبل ذلك مركب السياسة.
ان كثيرا من الاسئلة التي نتداولها اليوم حول غياب الحكماء او انتشار جراثيم التطرف ، او ضعف المؤسسات الدينية والثقافية او تراجع اصوات الاعتدال ، او جنوح الشباب نحو الوقوع في غواية التوحش، او ما يحدث من انشقاقات داخل الاحزاب والحركات ، وغيرها من اسئلة الفوضى التي انتجت المشهد المفزع الذي نراه يتمدد في عالمنا العربي ، كلها لها اجابة واحدة وهي ان مجتمعاتنا اصبحت”مريضة” تماما، وبالتالي فان العقاقير التي نصرفها من اجل معالجتها تذهب بنا الى صيدليات التخلف والتطرف، والسبب هو ان ما انجزناه على امتداد العقود الماضية انصب في “خانة” القبض على روح المجتمع وزرع الالغام داخله وتحويله الى مجرد “هياكل” مفرغة من مضامينها، واجساد تتحرك بلا استبصار وبلا امل ..وبلا رؤوس ايضا.
الان لا بد ان ننتبه الى ان المهمة التي يتوجب على الدول القيام بها، خاصة لمن نجا من تسونامي الفوضى والانكسار، هي النظر بعيون مفتوحة الى المجتمع،لا لفهم حركته فقط، وانما للحفاظ على وحدته وتماسكه، ونزع الالغام التي وضعت لكي تفجّره، وتحريره من الخرافات التي انشغل بها، ثم الانتقال فورا من مرحلة التجريف التي استهدفته الى مرحلة التنمية الحقيقية والبناء الجدي والشراكة العادلة.
ان اخشى ما اخشاه ان يتصور البعض ان الاستمرار في “تصفية” قوى المجتمع وتفكيك مؤسساته هو الضمان للحفاظ على استمرار الدولة واستقرارها..وهذا خطأ كبير ارجو ان نستدركه وان لا نقع فيه.
الدستور