ليس سرا، ان لا مساعدات مالية، في الافق، اذ ان المساعدات التي تأتي الى الأردن، تم تقديمها في سياقات محددة، واغلب هذه السياقات لم تعد قائمة هذه الأيام.
الأردن اعتمد طوال عمره على مساعدات دول الخليج العربي، والولايات المتحدة، وبعض المنح من أوروبا واليابان، وقروض بفوائد قليلة، او مرتفعة، كما استفاد الأردن من وجود مئات الالاف الأردنيين في الخارج، ممن يرفدون الاقتصاد بحوالات مالية، الى عائلاتهم، وبما يخفف الضغط على الاقتصاد.
لعب العراق، حصرا، دورا مهما، حتى عام 1990، في دعم الاقتصاد الأردني، سواء عبر المساعدات العراقية المباشرة، او عبر التجارة، وهي تجارة مقدرة بمليارات الدولارات، وبمبالغ مالية كبيرة جدا، على صلة بالنفط والتصدير والاستيراد، ومنذ عودة نصف مليون أردني من الكويت، بدأت التحولات في الاقتصاد الأردني، بشكل ملموس، وبات يتعرض الى ضغوطات كبيرة، تواصلت حتى يومنا هذا، زاد عليها عبء اللاجئين من عراقيين وسوريين، وغيرهما.
آخر المنح الخليجية كان خمسة مليارات دولار، تم الالتزام بدفعها، باستثناء قطر، وكان معروفا، وبشكل مسبق، ان احتمال تجديد هذه المنحة قليل جدا، لاعتبارات مختلفة.
يصحو الأردنيون اليوم، على واقع صعب جدا، فالمديونية بلغت رقما فلكيا، والعجز كبير، وفوائد القروض السنوية، وخدمتها، تنهك الاقتصاد، يضاف الى ما سبق، ان هناك يقينا لدى الأردنيين، ان الفساد المستتر أدى الى نهب مبالغ كبيرة، بطرق مختلفة، إضافة الى ان الإدارة المالية للمساعدات، لم تكن على ما يفترض، وليس ادل على ذلك، من ان كل المساعدات، لم تترك اثرا واضحا على الاقتصاد، والسبب يعود الى طريقة انفاق هذه الأموال، ومواصلة الاقتراض، بشكل يمنع أي نهوض اقتصادي.
إذا كان هناك زيادة في المساعدات، فهي محتملة فقط، من الولايات المتحدة، وهذا امر غير محسوم، وبحاجة الى اتصالات كثيرة، وفي حال اقراره، سيكون مبلغا ليس كبيرا، ولن يطفئ المشكلة في الأردن.
في كل الأحوال، فأن كثرة ترداد العبارة التي تقول ان زمن المساعدات الخارجية، قد ولى، على صحتها، لا يراد عبرها ابلاغ الناس بالحقيقة، بقدر التوطئة لإجراءات صعبة داخليا، باعتبار ان لاحل ولا حلول، سوى جمع المزيد من المال داخليا، وهذا يعني إجراءات صعبة، ستزيد من معاناة الناس، وسوف تؤدي الى تجفيف ما تبقى من سيولة قليلة بين أيديهم.
لكن هذه السياسات، التي تتعامل مع الداخل الأردني، بمنطق الأرقام فقط، والحاجة للمال، وتلبية متطلبات مؤسسات دولية، من اجل مواصلة منح القروض، ستؤدي الى نتائج وخيمة، اقلها هذا التباطؤ الاقتصادي الذي نراه، وحالة الكساد والانجماد، وللمفارقة فأن الحكومات لدينا، كلما زادت حدة الانجماد، اتخذت قرارات جديدة، تزيد من حدته، بدلا من التخفيف منه، وهذا يعني ان الحكومات لدينا، وبذريعة المديونية وغياب المساعدات، تلجأ الى آخر اوراقها، أي المواطن الأردني.
هذه السياسات يجب ان تتغير، وان تبحث الحكومات، عن وسائل جديدة، لحل المشكلة الاقتصادية، ولعل من حقنا ان نسأل عن السبب الذي يمنع الحكومات لدينا، عن البحث عن بدائل، وهي التي تضحي مثلا بالقطاع الخاص، وبعشرات الاف المصالح الصغيرة، تحت وطأة الركود والديون والمطالبات الاقتصادية، من ضرائب وغيرها، وكأن هذه الحكومات، لم يعد لديها أي حل سوى انهاء أي فرصة للنهوض الاقتصادي، عبر هكذا إجراءات.
مزيد من الضرائب، يعني مزيد من المعاناة، ولابد ان يقال اليوم، ان الكلام عن توجيه أي قرارات جديدة، بحق غير الأردنيين، من اجل تخصيص الدعم فقط للاردنيين، كلام غير دقيق، والسبب، ان غير الأردني، سيسعى الى تعويض فروقات الحياة، عبر رفع أسعار سلعته او منتجه، من عامل البناء الذي سيزيد اجره اليومي، مرورا بالحرفي وغيرهما، وهذا يعني ان كل الفاتورة سوف تصب اثقالها على الأردنيين.
الكلام عن زمن المساعدات الخارجية الذي ولى، كلام صحيح، لكنه يعني هنا شيئا آخرا، أي ان على الأردنيين انتظار زمن صعب، سيكونون فيه، مصدر المال الأول والأخير للخزينة.
الدستور