حل التيار الوطني .. رسالة قبل فوات الأوان
د.طلال طلب الشرفات
11-10-2017 07:55 PM
اذكر جيداً الاجواء السياسية التي تشكل بها التيار الوطني واندماج مجموعة من الاحزاب لتشكيل التيار بزعامة مجموعة من قادة المحافظين ومن ابرزهم المهندس عبدالهادي المجالي والدكتور عبدالرؤوف الروابدة ، وقتها كنت امارس العمل الحزبي في اطار المعارضة الوطنية محاولين تجميع فتات الهوية الوطنية المبعثرة بين نزق السلطة وارتماء مجموعة من رموز الوطنيين المحافظين في احضان الحكومة رغبة في السلطة تارة وقلقاً من بطشها واقصائها الناعم تارة اخرى، كنت وقتها مدركاً ان الحياة الحزبية في الاردن لن تنجح لأن الهوية الوطنية انكفأت لمصلحة الهويات الفرعية والمناطقية والشخصية .
ومع ذلك فقد وضع التيار الوطني برنامجاً سياسياً واقتصاديا واجتماعياً معقولاً وجمع الكثير من القيادات الاجتماعية المؤثرة تحت لوائه ولكن مهمته للأسف تقزمت في ايصال رئيسه لرئاسة مجلس الوزراء وتوزير بعض الاصدقاء وكانت تلك الخطوة القاتلة الاولى ، اتبعها بمجاملة ومغازلة الحكومات على حساب انضاج التجربة فتمردت الحكومات وتبعثرت قيادات الحزب هنا وهناك ، وزاد الطين بله تشكيل الجبهة الاردنية الموحدة التي انتهجت خطاباً سياسياً اكثر انسجاماً مع تطلعات الناس واكثر جرأة مع الحكومة وان كانت بوادر الغزل مع الحكومة من تحت الطاولة غالباً ومن فوقها في حالات حاضرة دائماً لأن شهوة السلطة كانت تستهوي الجميع .
في حكومة المهندس نادر الذهبي كان التيار الوطني يملك اغلبية برلمانية ، وكانت الفرصة سانحة وقتذاك لترسيخ النهج الوطني الحزبي من خلال سن تشريعات تخدم ترسيخ النهج الديمقراطي ، ولكن الممارسة كانت ضحلة والممارسات تنم حالة ارتباك وجهل في ادراك مخاطر عدم استغلال الفرصة الوطنية لبناء تيار يحترم ثوابت الشعب ويرسخ قيم الوطنية والمواطنة على حدٍ سواء .
في الربيع العربي كفرت الجماهير بالأحزاب الوسطية ولقنتها درساً لن تنساه وفشلت في اقناع لجنة الحوار الوطني والحكومة في تخصيص قائمة حزبية في البرلمان من خلال قانون الانتخاب ، وافرزت الانتخابات وقتذاك تمثيلاً هزيلاً للأحزاب اوصلنا الى حالة الهراء السياسي الذي نعيشه الان ، وبتراجع دور الاسلاميين بعد الربيع العربي انقلبت الاحزاب الى دكاكين مخجلة تتحمل فيها الحكومات وقادة الاحزاب المسؤولية الكاملة عن فشل الحياة السياسية برمتها ، وهو امر للأسف اوصلنا الى برلمانات هزيلة وحكومات مهترئة .
اسلوب تدجين وتهجين العمل الحزبي امر تديره الحكومات باحتراف ويتنافى مع توجيهات القيادة بضرورة تحقيق متطلبات الاصلاح الشامل ، والصفقات السياسية الخفية بين الحكومات والاحزاب لا تتعدى مقعد نيابي او حقيبة وزارية مشروطة بالاستقالة من الموقع الحزبي ، وفي الحالتين كانت المراهقة السياسية نهج الجهتين معاً .
وفي الوقت التي فقد الناس ثقتهم بجدوى الاحزاب كانت الحكومات تمارس دور الوصاية على قناعات الناس وتصنع امثلة مؤلمة في فردية القيادات الحزبية واساليب انهيارهم او اقصائهم الناعم الانيق ، وعندما غادرت العمل الحزبي في عام 2012 الى غير رجعة كنت على يقين تام بأن الحياة الحزبية في الاردن قد قزمت الى مستويات مخجلة ، وأن الهوية الوطنية الجامعة قد تراجعت الى درجات مريعة وحلت مكانها الجهوية والفئوية والشللية واصحاب الياقات البيضاء ، وان ثمة سؤال كبير لن يجد اجابة في المستوى المنظور .
توجه حزب التيار الوطني وقبله تفكيك الجبهة الاردنية الموحدة رسالة يتوجب قراءتها بحرص وطني كبير بعيداً عن توجهات قادة الاحزاب ، والدرس الاول المستفاد منها هو ان هذه بضاعتكم ردت اليكم ، والدرس الآخر ان حالة اللامبالاة التي تسكن نفوس الناس هي اكثر من مفزعة وتحتاج الى التقاط حكيم ومعالجة وطنية راشدة ، والدرس الثالث انه ظلم للأردن العزيز ان يدار بأمثال هؤلاء في الحكومة وبعض المؤسسات الوطنية .
تفعيل الحياة الحزبية في اطارها الوطني الواضح تحتاج الى قرار سياسي حصيف يدرك مخاطر ابقاء الادارة في يد مجموعة من الذين يثقبون السفينة دون ادراك انهم يهلكون وطن ، فعلى هذه الارض الحبيبة دائماً ما يستحق الحياة ...!!