علي محافظة عن يوميات ابو عودة: منجم ذهب
11-10-2017 01:43 PM
عمون - حنين الزناتي - قدم المؤرخ الاردني الكبير الدكتور علي محافظة شهادته في "يوميات عدنان أبو عودة: قراءة تاريخية".. وقال في كلمته امام جمهور الحضور:
صدرت "يوميات عدنان أبو عودة" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة/ قطر في آب 2017. وهي يوميات كتبها عدنان أبو عودة أثناء توليه مناصب سياسية مهمة وحساسة في الحكومة الأردنية وفي القصر الملكي. وكان عضواً فاعلاً في المطبخ السياسي الأردني، وفي الدائرة الضيقة التي تصنع القرار السياسي في البلاد خلال خمسة عشر عاماً (1973- 1988). وقد أعد هذه اليوميات للنشر معين الطاهر بالتعاون مع أصحاب الاختصاص في المركز العربي، والتزم الناشر بقواعد البحث العلمي في معالجة هذه اليوميات ونشرها.
رأى الناشر أن يقدم هذه اليوميات بحوار أجراه السيدان معين الطاهر ومعن البياري مع الأستاذ عدنان أبو عودة حول نشأته ودراسته وتكوينه الفكري في مدينة نابلس، ونشاطه في حزب التحرير الإسلامي والحزب الشيوعي الأردني، وعمله معلماً في السلط والكويت وأم القيوين، وعودته إلى الأردن سنة 1965 وعمله في المخابرات العامة الأردنية (1965- 1970)، وتعيينه وزيراً للإعلام في الحكومة العسكرية في إيلول 1970. ودار هذا الحوار أيضاً حول موقفه من العمل الفدائي الفلسطيني في الأردن بين سنتي 1967 و1971، ودوره في قيام الاتحاد الوطني في الأردن، كتنظيم سياسي يضم الأردنيين والفلسطينيين في أعقاب أحداث إيلول 1970، ودوره أيضاً في مشروع المملكة العربية المتحدة التي تضم الأردن وفلسطين سنة 1972.
ولا شك أن هذا الحوار يعد تمهيداً ضرورياً لليوميات، كما يعتبر مصدراً تاريخياً أولياً مع اليوميات من حيث المعلومات الواردة فيهما.
وهذه اليوميات هي أول يوميات يكتبها سياسي عربي في تاريخ العرب المعاصر. فقد لجأ السياسيون العرب إلى الاعتماد على الذاكرة دون الرجوع إلى الوثائق الرسمية في معظم الحالات. وعلى الصعيد الأردني فقد اعتاد السياسيون الأردنيون أن لا يكتبوا مذكراتهم، وإن كتبوها امتنعوا عن نشرها، والذين نشروا مذكراتهم تجنبوا الحديث عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي عاصروها بصراحة وصدق، وكانت مذكراتهم دفاعاً عن مواقفهم وتمجيداً لأعمالهم، وتنديداً بمواقف خصومهم السياسيين، وتشهيراً بأخطائهم، ولم يتناولوا كيفية صناعة القرار السياسي على أعلى المستويات في الحكم، ودورهم في صناعة هذا القرار. ولذا قلما أن ساهمت هذه المذكرات السياسية المنشورة في كتابة تاريخ الأردن الحديث والمعاصر، وفي إلقاء الضوء على الأحداث السياسية المهمة والخطيرة التي شهدتها البلاد، وفي تحليل ما كان يجري على الساحات الوطنية والعربية والدولية.
نعود إلى يوميات عدنان أبو عودة التي يبدأ فصلها الأول بالمرسوم الملكي لتأليف الحكومة العسكرية في 15/9/1970، وتوجيهات وصفي التل الإعلامية لعدنان أبو عودة وزير الإعلام في هذه الحكومة. ثم ننتقل إلى الفصول التالية التي خصص لكل سنة فصلاً بدءاً من سنة 1973 وحتى سنة 1988.
لقد قمت بتفكيك المعلومات الواردة في هذه اليوميات وأعدت تركيبها في مجموعات حملت كل منها عنواناً شاملاً وعاماً. ووجدت أن هذه اليوميات تدور حول الوضع الداخلي في الأردن بدءاً من قيام الاتحاد الوطني كفكرة وتطويره على يد عدنان أبو عودة وفشله لأسباب ذكرها صاحب اليوميات فيما بعد، وانتهاء بالأزمة المالية الأردنية سنة 1988 التي كانت سبباً في هبة نيسان سنة 1989 والإطاحة بحكومة زيد الرفاعي الأخيرة. ويحتل الوضع الداخلي الأردني صفحات قليلة جداً في هذه اليوميات التي تبلغ ألف صفحة ونيف، بينما يحتل الصراع العربي- الإسرائيلي معظم صفحات هذه اليوميات.
يركز عدنان في يومياته عن الوضع الداخلي على مساعي الملك حسين والحكومات الأردنية المتعاقبة وأجهزتها المدنية والأمنية لرأب الصدع بين الأردنيين والفلسطينيين. ويبين فشل هذه المساعي بسبب موقف الموظفين الأردنيين ذوي الاتجاهات الإقليمية الشرق أردنية والعديد من الوزراء الأردنيين الذين كانوا يرون أن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الفلسطينيين والجيش الأردني يمثل الأردنيين. ويتابع صاحب اليوميات تنامي التيار الإقليمي في البلاد الذي يثير قلقه. مثلما أثارت قلقه آراء بعض الوزراء في جلسة مجلس الوزراء حول منح الجنسية للفلسطينيين، فقد رأى هؤلاء التريث في منحهم الجنسية الأردنية في ضوء قرار قمة الرباط الذي اعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما أثار صاحب اليوميات طلب رئيس الوزراء في 5/11/1974 تعديل الدستور الأردني ليتفق مع قرار قمة الرباط الآنف الذكر، وقرار مجلس الأمة الأردني في 9/11/1974 بتعديل الدستور الذي أعقبه حل المجلس المذكور. وكان بعض أعضاء هذا المجلس قد رثا وحدة الضفتين في تلك الجلسة. وجاء في اليوميات أيضاً توزيع ثلاث نشرات في البلاد سنة 1974، تطالب الأولى بتأليف حكومة أمينة ونزيهة تعمل على بناء الأردن وتنميته وتقدمه ومنحه الحريات. وتطالب بالتعاون العربي انطلاقاً من قرارات قمة الرباط، وتؤيد منظمة التحرير الفلسطينية لتحرير أرضها وإقامة دولتها المستقلة عليها. قال مدير المخابرات هذه النشرة كتبها ووزعها الدكتور سعيد التل والدكتور كامل أبو جابر وحمد الفرحان. وقد اطلع عليها مدير المخابرات العامة قبل طبعها وتوزيعها في بيت المقدم رفاعي الهزايمة من ضباط الأمن العام. والنشرة الثانية موقعة من "حزب كتائب الأردنيين الأحرار" تنضح بالسم الإقليمي وتنادي بضرورة تخليص البلاد من الفلسطينيين الذين سيطروا على الإدارة والاقتصاد، حسب تعبير صاحب اليوميات. والنشرة الثالثة صادرة عن اتحاد الطلاب الأردني تطالب بالتضامن الأردني الفلسطيني والإطاحة بنظام الحكم الأردني ويرى مدير المخابرات أنها من إعداد مكتب شؤون الأردن في منظمة فتح.
وأثار حفيظة عدنان ما ذكره له أحمد طوقان في 17/12/1974 عما جرى في لجنة تعديل قانون الانتخابات. إذ انقسم أعضاؤها إلى فريقين: فريق بقيادة بهجت التلهوني ويضم رياض المفلح وثروت التلهوني، يقول بالعودة إلى ما كان عليه الحال سنة 1947، وفريق يقول بالإبقاء على القانون في شكله الأخير سنة 1966، لأنه لا يجوز حرمان الفلسطينيين من حقهم الانتخابي.
يرى عدنان في يومية 24/6/1975 أن الدور السياسي للفلسطينيين في الأردن، منذ قمة الرباط، قد انتهى عملياً وسيكولوجياً. ونشأ تيار إقليمي يريد أن يستلم الزمام. وظهرت الاتجاهات الجهوية في مجلس الوزراء في 13/8/1977. وتنامت الحماسة للانفصال عن الضفة الغربية في 28/6/1980، واحتجاج عدد من الوزراء الأردنيين على تعيين الدكتور قاسم الريماوي رئيساً للوزراء، بعد وفاة الرئيس الشريف عبد الحميد شرف في 20/7/1980.
لا شك أن بروز هذا التيار الإقليمي كان رداً على تيار منظمة فتح المعادي للحكم الأردني والشعب الأردني، وسعيها إلى عزل الشعب الفلسطيني عن الشعب الأردني وتشويه صورة وحدة الضفتين والحكم الأردني بين سنتي 1950 و1967. كما ظهر هذا التيار لتحقيق مكاسب شخصية لمن يدعو له.
وعلى الصعيد الداخلي تناول صاحب اليوميات أسلوب زيد الرفاعي كرئيس للوزراء في الحكم، باعتباره أقرب السياسيين إلى الملك حسين في يومية 25/7/1974. وذكر أن مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 6/10/1974، ناقش الانتقادات الموجهة إلى حكومة زيد الرفاعي، والفساد المستشري في البلاد في ظل هذه الحكومة. وذكر تضييق حكومة الرفاعي على رابطة الكتاب الأردنيين.
بإبعاد صاحب اليوميات عن وزارة الإعلام، وحديثه مع مضر بدران رئيس الديوان الملكي الجديد، شعر بأنه أصبح مهملاً فتألم وغمرته مرارة، بعد أن شعر أنه أصبح في وضع يحتاج فيه إلى من يزكيه، عندما قال له مضر أن الملك طلب منه ومن رئيس الحكومة (زيد الرفاعي) أن يرعياه. إنه شعور مفكر وقع في شراك الحكم الفردي المطلق. وعين عدنان عضواً في مجلس الأعيان في 27/11/1974، بناء على طلبه.
تحدث عدنان في يومية 13/5/1977 عن غياب الكبرياء الوطني في الأردن وحاول تحليل أسباب ذلك، وغابت عنه أسباب أخرى مهمة.
مع تأليف أحمد عبيدات وزارته في 8/1/1984، عين عدنان وزيراً للبلاط الملكي.
أما الصراع العربي- الإسرائيلي الذي يحتل عناوين متعددة مثل: القضية الفلسطينية، ومحاولات أزمة الشرق الأوسط، ومساعي استعادة الضفة الغربية، فقد شمل المحادثات الأردنية مع الحكومات العربية والقيادات السياسية فيها، وحرب رمضان/ تشرين الأول 1973، ومؤتمرات القمة العربية بين سنتي 1973 و1988. وزيارات الملك حسين المتعددة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية والاتحاد السوفياتي.
تحتوي هذه اليوميات على معلومات غزيرة ومهمة تبين مواقف الدول العربية من الأردن وسياساته ومساعيه لاستعادة الضفة الغربية، مثلما تحتوي على معلومات جديدة لم يسبق لأي مصدر أن احتواها. وهي معلومات يتناقض بعضها مع ما هو معروف ومتداول في وسائل الإعلام العربية والأجنبية وفي المؤلفات التاريخية، ويتفق بعضها الآخر مع ما هو مألوف منها.
وتزخر هذه اليوميات بمحاضر اللقاءات التي تمت بين القيادة السياسية العليا الأردنية والعديد من رؤساء الدول العربية والإقليمية والأجنبية ورؤساء حكوماتها ووزراء خارجيتها ومبعوثي رؤسائها، وما دار فيها من نقاش وحوار، لم يسبق أن نشرت أو كشف عنها في أرشيفات تلك الدول.
وتبين هذه اليوميات تغير مواقف الدول العربية من بعض القضايا الأساسية، وأسباب هذا التغير. وتمتلئ هذه اليوميات بالتحليل العلمي للأحداث والمواقف والسياسات الذي يجيده عدنان أبو عودة، مثلما يجيد ربط المواقف السياسية بالأحوال الاقتصادية والمصالح الوطنية والمناقع الشخصية.
أما أهم الموضوعات والمحطات التي تدور حولها هذه اليوميات فهي: قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، و338، ومبدأ مبادلة السلام بالأرض، والعلاقة بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والعلاقة الأردنية- الإسرائيلية، والعلاقات الأردنية- الأمريكية، والعلاقة الرسمية الأردنية مع قيادات الضفة الغربية. ومؤتمر جنيف 1974- 1977، وزيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل سنة 1977، واتفاقيات كامب ديفيد 1978، والحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988، ومباحثات اتفاق العمل الأردني الفلسطيني المشترك 1984- 1986.
ونجد في هذه اليوميات تحليلاً للسلوك السياسي للملك حسين وإعجاباً ملحوظاً بقدراته على التحليل السياسي، والمرونة الشديدة في مواقفه، وإلمامه الواسع بما يجري على الساحة الدولية. ويتوسع صاحب اليوميات في تحليل السلوك السياسي للرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس المصري أنور السادات وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
هذه اليوميات أشبه بمنجم يحتوي على معادن ثمينة جدير بالمؤرخين العرب والأجانب أن ينقبوا فيها ويجمعوا ما يحتاجونه في أبحاثهم ومؤلفاتهم عن تاريخ هذه المرحلة من تاريخ العرب المعاصر.