حرب تشرين في ذكراها الرابعة والأربعين
10-10-2017 02:04 PM
عمون- تصادف هذه الايام الذكرى الرابعة والأربعين لحرب رمضان 73 والتي أعادت الروح المعنوية للعمل العسكري العربي المشترك حيث تمكنت قوات الجيش العربي من منع القوات الإسرائيلية من الالتفاف حول الجناح الأيسر للقوات السورية من خلال تأمين القوات الأردنية الحماية لمحور (درعا - دمشق), والجناح الأيسر للقوات السورية, إضافة الى إشغال قواتنا الباسلة لجزء من القوات الإسرائيلية على طول امتداد الجبهة الأردنية وحرمانها من تعزيز القوات على الجبهتين السورية والمصرية.
وشكلت مشاركة القوات المسلحة الأردنية الباسلة/ الجيش العربي في حرب السادس من تشرين الأول عام 1973 أهمية كبيرة وفاعلة على المستويات الاستراتيجية والتعبوية والمعنوية في مساندة القوات المصرية والسورية في حربهما ضد القوات الإسرائيلية ما كان له الأثر في تحقيق النصر العربي المؤزر.
ومنذ اندلاع المعارك بدأ الأردن مراقبتها والاستعداد لها ومواصلة الاتصالات مع القيادات العربية, وقرر القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه دخول القوات الأردنية إلى الجبهة السورية لتشارك في الحرب.
لقد أمضى المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه طوال يوم السبت الموافق للثالث عشر من تشرين الأول متفقدا جميع المرتبات الأردنية، وفي الوقت ذاته زار جلالته جميع التشكيلات المرابطة على خط وقف إطلاق النار، ووقف جلالته رحمه الله وخاطب رجاله وهم في الطريق إلى سوريا قائلا "أعددتكم جندا كما أراد الحسين بن علي، اليوم تعلون فيه فوق الهضاب الوعرة كونوا كما عهدتكم وكما أرادكم الشعب الأردنـي".
وكانت الحرب بدأت في تمام الساعة (1405) بتوقيت القاهرة يوم السادس من تشرين الاول 1973 الموافق للعاشر من رمضان المبارك, حيث قام الجيشان المصري والسوري بالتعرض المفاجئ في آن واحد على الجبهتين ضد إسرائيل.
وقام الأردن بوضع قواته تحت درجة الاستعداد القصوى اعتبارا من الساعة (1500) يوم 6 تشرين الأول 1973، كما صدرت الأوامر لجميع التشكيلات والوحدات بأخذ مواقعها حسب خطة الدفاع المقررة.
وكان على القوات الأردنية أن تمنع اختراق القوات الإسرائيلية للجبهة الأردنية، وبالتالي منع الالتفاف على القوات السورية من الخلف، كما كان عليها الاستعداد للتحرك إلى الأراضي السورية أو التعرض غرب النهر لاستعادة الأراضي العربية المحتلة في حال استعادة الجولان وسيناء من قبل القوات السورية والمصرية.
وأدت هذه الإجراءات إلى مشاغلة قوات العدو الإسرائيلي، فالجبهة الأردنية من أخطر الجبهات وأقربها إلى العمق الإسرائيلي، هذا الأمر دفع إسرائيل إلى الإبقاء على جانب كبير من قواتها تحسبا لتطور الموقف على الواجهة الأردنية. وفي يوم 13 تشرين الأول حضر المغفور له جلالة الملك الحسين لقيادة اللواء على الحدود السورية، مبديا إرشاداته وتوجيهاته ومودعا للقوات حيث أشرف بنفسه على عملية دخول اللواء إلى الأراضي السورية، وتابع اللواء تقدمه إلى منطقة الشيخ مسكين وتكاملت القوة يوم 14 تشرين الأول مع وصول أوامر القيادة السورية والتي تنص على تكليف اللواء بمهام عدة أبرزها صد هجمات العدو بالتعاون مع القوات السورية والعراقية (وقف الخرق) والاشتراك في الهجوم المعاكس العام مع القوات السورية، وخاض أولى معاركه يوم 16 تشرين الأول، حيث وضع تحت إمرة الفرقة المدرعة /3 العراقية، فعمل إلى جانب الألوية العراقية.
وفي نفس اليوم تحرك اللواء المدرع/40 من مواقعه في نوى وتل الحارة إلى تل المسحرة ليجتازه, وأجبر العدو الإسرائيلي على التراجع مسافة عشرة كيلو مترات تاركا خلفه تل مسحرة وجبا، وأمام هذا التوغل الأردني السريع وبطء وصول القوات العراقية إلى مواقعها كشفت أجنحة اللواء، فتأثر بسبب ذلك، وبسبب استخدام العدو لسلاح (التو) المضاد للدروع ولأول مرة في العمليات العسكرية اضطر اللواء إلى التراجع بعد أن دمر للعدو عشر دبابات، كما تعرض الهجوم العراقي إلى هجوم معاكس عنيف على جناحه الأيمن اضطره إلى التراجع إلى كفر شمس ثم إلى تل الذيبان.
وفي الساعة 1000 يوم 19 تشرين الأول قام اللواء المدرع /40 بالهجوم مرة أخرى على تل مسحرة وجبا في الوقت الذي كانت تهاجم فيه الفرقة المدرعة/3 العراقية تل عنتر، فتقدم اللواء المدرع/40 وتغلغل مرة أخرى بعمق 6 - 7 كيلو مترات بعد أن تجاوز تل مسحرة ووصل إلى الشمال الغربي منه، ونتيجة لضغط العدو وانكشاف أجنحة اللواء المدرع/40 مرة أخرى للهجمات الإسرائيلية المعاكسة اضطر إلى التراجع بعد أن خسر بعض جنوده ومعداته.
وأرسل الأردن قوات تعزيز إضافية بهدف إعادة كسب زمام المبادرة والاستعداد للهجوم المعاكس الشامل الذي كان مقررا في 23 تشرين الأول 1973 .
وفي يوم 20 تشرين الأول أرسل الأردن قيادة الفرقة المدرعة/3 الملكية مع مدفعيتها إلى الجبهة السورية وتكامل وصولها يوم 22 تشرين الأول، إلا أن تطورا شاملا حدث بسبب قبول سوريا وقف إطلاق النار ما أدى إلى إلغاء العملية، فبقيت القوات الأردنية هناك إلى أن تم سحبها في بداية كانون الأول 1973.
وكان الموقف الأردني منذ البداية مع أي عمل عربي موحد وهو موقف تجسد في موافقته على تعيين قائد للقوات العربية هو الفريق أحمد اسماعيل, وفيما قاله المغفور له جلالة الملك الحسين للأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك محمود رياض وقبل الحرب بأيام قليلة عندما عرض عليه طلب الرئيسان المصري والسوري بأن يمنع الأردن الالتفاف على سوريا عبر الأردن فرد عليه جلالته قائلا "إن ما تطلب مني ليس إلا واجبي .."، وهكذا كان موقف الأردن مبدئيا من حيث المشاركة في الحرب وإن لم يكن قد اطلع على الخطة أو اشترك فيها، الأمر الذي أثبتته الأحداث بعد اندلاع الحرب بأسبوع حيث تجاوز الدور الأردني حماية الجناح السوري عبر الحدود إلى مشاركة فعّالة في المعارك على الجبهة السورية.
وحول سير عمليات القوات الأردنية على الواجهة السورية فقد وضعت القوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي في حالة الاستعداد القصوى نتيجة لنشوب القتال بين القوات المصرية والسورية من جهة، والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى، وصدرت الأوامر للقوات المسلحة الأردنية بالاستعداد لأي طارئ أو واجب يسند إلى التشكيلات مع أخذ المراكز حسب الخطة.
وكان الجيش السوري أحرز في الأيام الأولى من القتال انتصارات جيدة، إلاّ أن العدو بدأ يضغط بشكل ملموس على القوات السورية كونها الأكثر خطرا عليه والأقرب إلى مواصلاته وقواعده بقوات كبيرة ما اضطر الجيش السوري إلى التراجع وطلب الإمدادات من الدول العربية ومن ضمنها الأردن فوافق على إرسال قواته إلى الجبهة السورية رغم الواجب الكبير الذي كانت تشغله على الحدود مع إسرائيل، وقرر إرسال اللواء المدرع/40، وكان قائد اللواء آنذاك يقوم بالكشف لاختراق الجبهة الإسرائيلية عندما تكتمل نجاحات القوات السورية والمصرية.
وفي تلك الحرب التي شكلت منعطفا مهما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تمكن اللواء المدرع /40 من قواتنا الباسلة من التدخل في أحرج اللحظات في الحرب حيث منع قوات العدو من التقدم باتجاه دمشق مقدما أروع صور التضحيات والفداء في نموذج هو الأمثل للتعاون العربي العسكري المشترك في الدفاع عن الأراضي العربية.
واننا إذ نستذكر دور الجيش العربي، لنترحم على شهداء حرب رمضان الذين قضوا في سبيل الدفاع عن الأراضي العربية في الجولان وفلسطين، رافعين اكف الضراعة إلى المولى عز وجل أن يرحم الحسين بن طلال، باني الأردن ونهضته، المدافع عن قضايا أمته العربية وحريتها وكرامتها، وذلك الخير المديد والمشرف يتجلى اليوم في جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الذي حمل أمانة المسؤولية بكل عزيمة وثبات، ورعى القوات المسلحة الأردنية جل رعايته واهتمامه تسليحاً وتدريباً وتأهيلاً حتى غدت في طليعة جيوش العالم باحترافيتها العالية وإنسانيتها التي عز نظيرها، وسط هذا الضجيج تشرق شمسها الدافئة على كل محتاج وتمسح عثرات من ضاقت بهم الحياة, فراياتها خفاقة عالية بإذن الله.