حسناً، تريد صديقتي أن تعرف أين أنا (وينك يا بنت غاطسة)؟ سأخبركِ (وين غاطسة)!
أنا هنا حيث الليل وضوء خافت، ليل ليس فيه ثمة صوت إلا نبضات قلبي تتراكض عند قدمي، وصدى صوت أم كلثوم وهي تصدح (ملء قلبي شوق وملء كياني..هذه ليلتي فقف يا زمان.. سوف تلهو بنا الحياة وتسخر...فتعال احبك الآن الآن الآن اكثر.)
أنا هنا، وفِي رأسي تحتشد رؤى غير مترابطة و صُور ومشاهد سريالية تقريباً. أتربع فوق عرش الفوضى وحدي إزاء قدر يخصني أنا. أقاوم رغبة جارفة للبكاء، بينما أراقب المرضى والعقلاء والكاذبين والصادقين والملائكة والشياطين. أراقبهم وسأظل! وسأعلم وٓلٓدٓيْ صناعة الحياة ولن أحدثهما عن قصص التاريخ، وبطولات الأجداد فعضلات قلبيهما الصغيرين لا زالت تجيد الفرح!
سأخبرك أيضا؛ أنا هناك في تلك الحاكورة القديمة حيث كانت تشمخ شجرة تين ضخمة تلمع ثمارها كأحلام الطفولة. نعم يا صديقتي أنا هناك حيث تلك الشجرة وتلك الطفولة وتلك الأحلام، حين كنت أصطاد أشعة الشمس.
أما في هذه اللحظة، فأنا هنا يا صديقتي حيث تلألأ وأنا أحدثك طيف لكائن لا تحتمل خفته، رفع نظره إلى السماء، كمن يومئ لها بانتهاء الليلة، فلمعت لمعتين، وكأن إحداهما وليفة الأخرى. تبع اللمعتين صوت بدا وكأن السماء تعزف مقطوعة ربانية تفيض بالبشر، انسابت أنغامها لتلقي ظلا على المكان. ظل كالليل يخالطه الذهب. انتهت ألحانها بقبلات حملها نسيم الصباح لي، وقد هيئ لي بأن ملائكة الله أطلت على الأرض، فهوت جميع الأرواح الشريرة منكفئة على وجوهها. وسكون عذب عم المكان كاد يسلب الحياة كل ما فيها إلا من صدى أنين الباكين وزفرات المتألمين وترانيم الأدعية المتجهة صوب السماء وصور أحلام العاشقين وطائر وحيد يغرد خلف النافذة!