الفلسطينيون وبناء الثقة !
وصفي الحتاملة
30-01-2009 09:09 PM
الفلسطينيون جميعاً، مُطالبون ببناء الثقة، وبأن يعترف كلٌ منهم بأخطائه، فيعتذر للناس عن كل خطأ، فعلى رأس مهمات القوى الفلسطينية، اليوم، إنشاء المساحة المشتركة، الكافية للتلاقي. وبحكم طبيعة المشكلة، يتوقف الأمر على حماس، التي تحتاج إلى جرأة غير مسبوقة، لكسر نرجسيتها والتزحزح عن أوهام الإحساس بمركزيتها، في فلسطين، إن لم يكن في الكون كله، بشفاعة أصوات انتخابية حصدتها في ظروف ملتبسة أظنها لن تتكرر. فقد بات من الخطر عليها، ترك أمرها للعقول المنغلقة وللنفوس الموتورة، التي أنتجت في الداخل المجتمعي، خراباً وعذاباً، وعبرت عن أسوأ الممارسات فساداً واستبداداً، وأوصلت الظاهرة الحمساوية إلى حال الإفلاس في البرامج والمشاريع.
لن يُجدي تحليل المشكل، ثم التعاطي معه، بأنماط النصوص الديماغوجية البائسة، وبالنرجسية والمكابرة، وإنما بخلق وابتكار العناوين والصيغ والوسائل، التي تساعد في إنتاج الوفاق، سيما بعد المحرقة الإسرائيلية القذرة، التي ألمت بأهالي قطاع غزة، المنكوبين ثلاث مرات، مرة بالاحتلال الواقع عليهم، ومرة بالانقسام ومناخاته على مسرح القطاع، ومرة بحكم حماس غير المتزحزح نحو المصالحة الوطنية، رغم كل ما يدعو إليها سابقا، وحاليا، بقدر أكثر إلحاحا.
وكلام آخر، وبغير ادعاء أنهم قبضوا على الحقيقة، وبأنهم منسجمون مع أنفسهم، وبأنهم راضون عما تفعله ـ منهم ـ الأيدي والعقليات المنفلتة على الناس؛ يمكن للقادة الحمساويين أن ينزلوا من على الشجرة، وأن يعودوا إلى موقعهم الوسطي في الدين، والى موضعهم الخاص، في السياسة وفي المجتمع، والى التقوى الجميلة الكفيلة بعلاج البدن، من فيروس التسلط والبطش. يعصمهم التواضع، والمنهج المنفتح، والرؤية الواسعة، التي تتيح لصاحبها أن يمارس خصوصيته، بعقلانية تواصلية، تسهم في بناء الاجتماع الفلسطيني.
حماس تحاول الهرب من الحوار، ومن المظلة العربية، التي كان من الضروري أن تنشأ، بعد أن اقتلع الفلسطينيون خيمتهم بأيديهم. وهي تهرب لأن آخر المواقف النظرية، التي لا سبيل إلى تفعيلها على أرض الواقع، يمكن أن تتعرض للانكشاف في الحوار، عندما يطالبها العرب والفلسطينيون بالإجابة عن السؤال: ماذا تريدون على المستوى الاستراتيجي؟ وان كان الجواب هو فلسطين من النهر إلى البحر، سيكون السؤال التالي جاهزاً: كيف ومتى؟ فالموقف النظري المقاوم و"الانتصاري" هو لغة التحشيد ومبرر تخوين الآخرين، وهذا ما لا ترغب حماس في أن تخسره!
على طريق الوفاق، لن يُجدي حماس نفعاً، أن تحاور ذاتها، ولن تجديها المنابر الإعلامية الموجهة لصالحهم نفعاً، طالما أن حقيقة الأمر محفورة في وعي الفلسطينيين أنفسهم، وليست مرسلة بالألوان، من منبر خارجي أو من حزب أو من صحيفة بعيدة. ينبغي أن تتقن حماس فن الإنصات، وأن تعود إلى رُشدها بعد أن فقدت صدقيتها. فقد انبرت لقيادة المجتمع الفلسطيني في اتجاه الإصلاح والجهاد والمقاومة، فيما هي فشلت في السهل وفي الطبيعي من المسائل، كتعزيز قيم الترفق والتآزر والتضامن المجتمعي وسواها من القيم القرآنية، ودمرت السلم الأهلي، وأسست لثأرات مستقبلية، ومارست الإقصاء داخل أطرها قبل شهور، لرجالات عانقوا الفكرة منذ طورها البريء المتطير من الظلم، وشديد الحساسية حيال العذابات والأكاذيب، فأصبحت اليوم، أحوج ما يكون، لصنع صورة جديدة لهويتها، تقوم على التواضع وعلى الاعتراف بالخطايا، بدءاً من إعادة ترتيب العلاقة مع الذات، وصولاً إلى تأسيس العلاقة مع الآخرين، ومواجهة الفتنة والمحنة!
هذا هو ما يتعين على حماس أن تدركه، وهي على محك الحوار. لأن الوفاق يتطلب كلاماً آخر، غير الكلام الذي أشبعته مضغاً، دون أن يوصلها إلى شيء، سوى اتساع وتعمق ورطتها في غزة، والى تفاقم أزمتنا العامة، في هذا الخضم الوطني الفلسطيني العسير.