لا أحد يأكل البرتقالة بقشرها، على من يريد أن يتلذذ بالطعم الحقيقي وارتشاف رحيقها عليه أن يقوم بتقشير الغلاف البرّاق للبرتقالة ليصل الى فصوصها ولذتها، هكذا هي الشفافية، هكذا هي الحقيقة التي تنتج طعما رائعا وعصيرا مفيدا دون مرارة، وهذا ما يجب أن نتبعه في تتبع المراحل التي مرت على بلدنا الأردن منذ سنوات طويلة حتى اليوم، فالأردن للحقيقة عاش حياته في حرب إستنزاف للبقاء قريبا من فتحة البئر، لا أن يبقى عند نهاية مسيل الماء، وهذا ما كان عندما خاض الحروب وشارك في إسناد أِشقائه وآخرها حرب تشرين التي تصادف ذكراها 44، ومع مرور السنين أضعنا نحن الجيل المترّف كل أرث البناة وأخلاقهم وقوتهم وثروتهم.
السياسة الأردنية يجب أن تكون واضحة تماما في القضية الفلسطينية أو سوريا أو العراق، مصلحتنا أولا، ولكن هذا الوقت قد مضى، علينا أن لا نحاول الرقص في عرسين معا، فالسفن أبحرت الى أمصار الدنيا كلها ونحن ننتظر إصلاح المرفأ السياسي ولا أحد يسعفنا بقارب صيد، وهذا تكرر مرتين، الأولى في العراق القديم والثانية في سوريا، واليوم في فلسطين الشقيقة بعد ما شهدنا من عنّاق بعد الإختناق، ونحن نعلم أن ما جرى لم يكن ليجري لولا الضغط الكبير والتحولات الدراماتيكية في الخليج وسوريا والتدخل المصري والصمت الإسرائيلي والمباركة الأميركية.
اليوم بدأت خيارات الأردن تتضاءل على ما يبدو، ولكن هناك جبهة سياسية جديدة في سوريا يمكننا تحقيق تقدم أفضل لإعادة رسم مصالحنا عبرها وهي عودة الوضع في الجنوب السوري الى وضعه الأصلي قبل الصراع، وضمان فتح المراكز الحدودية ومعابر النقل مبكرا، وعدم تركها للجماعات المسلحة الجديدة أو للمليشيات وهذا ما تصرّ عليه الإدارة الأردنية، ولكن المراهنة على بقاء الجيش الحرّ والجماعات التابعة له لم يعد نافعا، وإذا كانت تفاصيل الحلول ستعتمد على بقاء الجيش الحرّ في مناطقه فعلى الأردن أن يبقى مصرا على إعادة تسليم الحدود السورية الداخلية الى قوات نظامية لها مرجعية وتراتيبية ونظام ضبط وربط.
إن من المفيد التوصل الى اتفاق لتحويل قوات الجيش الحرّ وأي فصائل عسكرية منفصلة الى قوات شرطة تتبع لقوات الأمن الداخلي وأن تعود المنافذ الحدودية للسلطة المركزية وأن يتم تأمين كامل الشريط الحدودي ما بين جنوب السويداء وحتى غرب درعا بقوات عسكرية لضبط الأمن ومنع أي عمليات تسلل، وإنهاء وجود مخيم الركبان المأساوي، وإعادة سكانه الى بلداتهم أو أي مناطق داخل سوريا قبل حلول فصل الشتاء، وهذا يتطلب إرادة حقيقية من الجانبين الأميركي والروسي وإخضاع الإدارة السورية لعدم إعاقة عودة لاجئي المناطق الحدودية.
الأردن يصارع على جبهتين، خارجية وداخلية، وإن أثبت الجيش الأردني بأفراده الشجعان قدرتهم الفائقة بحماية الحدود الشمالية بكل كفاءة من أي تسلل إرهابي أو تهريب غير شرعي وتقديمهم الخدمات الإنسانية لمئات الآلاف من اللاجئين الذين عبروا الحدود والمقيمين في المخيمات والتجمعات ولسكان القرى المحاذية، فإن الجبهة الداخلية لم تعد تحتمل التلكؤ لمعالجة الوضع الإقتصادي الذي باتت أنياب الخطر تنبز بوضوح، فالمجتمع الأردني وقطاع الأعمال من تجارة وصناعة ونقل وتبادل تجاري وخدمات مرتبطة بحركة دولابية، فحينما يفلس المواطن ستتوقف هذه العجلة، وعلى الحكومة أن تبدأ باجتراح حلول ناجعة بعيدة عن جيوب المواطنين لدعم موازنة العام القادم لا تحميلها لأبناء العسكر والموظفين والمزارعين والفقراء.
إن البرتقالة التي أكلها الكثير ممن تسنموا مناصب أو وصلوا الى القبب أو تمرغوا برمال بحر الإمتيازات، لم تثمر في صنع رجالات دولة يصنعون مستقبلا، فيما المواطن الذي لم يكن أبدا صاحب قرار في السياسة الخارجية أو الداخلية، وصل به الحال لدرجة الحنق واليأس ولأعلى مستوى، ومع هذا لا أحد ممن راهنا عليهم يتدخل لإنقاذ الوضع، والكل هنا يسأل من المسؤول عما نحن فيه، وأين تنفق كل تلك الموازنات، ثم لا أحد يملك الإجابة، كل ما هنالك إتهامات متبادلة، فيما كل دولة تدخلت في الصراع السوري والحرب العراقية ضمنت مصالحها ومصالح شعوبها، ونحن نبقى كأصحاب العرس، كل الضيوف يرقصون ونحن منشغلون بتقديم خدمات الضيافة لهم، والتعب لألفين والهناء لإثنين، لذلك يجب أن نسمع عن تعويضات للأردن عن خسائره جراء الحرب السورية والفاتورة الضخمة للاجئين.. إلا إذا..!!
Royal430@hotmail.com
الراي