ما الذي تخفيه أيها الشهر الغريب .. ما بك يا "اكتوبر"؟
ما الذي تحمله لنا معك بين طيات نسائمك .. في نهارك وعصرك وليلك.. ماذا تخبئ لنا في ثناياك !
تماما انت "شهر الحنين".. هذا فقط ما يليق بك؛ فمنذ بدأت تدق الساعة ايذانا بحضورك وأنا اشتم حنينا داخلي لكل شيء.. وكأنك أيقظت في حناياي مواطنا ساكنة, كان لا ابد لها أن تصحو من غفوتها.. وتمعن النظر من حولها .. وتبحث عن تلك اللذة التي كادت تفتقدها وهي غارقة في متاعب الزمن.
" شهر الحنين" : تحاصرني بأيامك رائحة الشتاء من كل حدو وصوب.. أتوق للنوافذ الباردة .. للأكواب الساخنة.. للطرقات المبللة.. لرائحة التراب الممزوجة بحبات المطر.. لدقدقات البرد على رأسي.. إلى نفض الثلج عن معطفي.. وإلى تلك الدعوة المستجابة التي ادعو بها كل ما رأيت الغيمات تنهمر.
"اكتوبر" .. أراك ترحل بي وبمخيلتي أيضا إلى وجوه أشخاص كانوا معنا في مثل هذه الأيام قبل هذا العام.. أخذتهم منا دون إذن من ذلك الشوق الذي يتربع في ضلوعنا .. ظنا منه أنه سيراهم يوما .. غير مدرك أن أجسادهم رحلت دون عودة تاركة أطيافهم تحيط بنا وتلاحقنا أينما اتجهنا.
أشتم فيك كذلك رائحة المدرسة.. وصحبتها الندية .. أرى في طرقاتك ملامح معلماتي.. يشابرون لي بأيديهم هنا وهناك.. جعلتني اتوق للمة معهم.. كتلك التي كنا نختلسها خفية بعد انتهاء الحصص دون علم أهلنا.. نعم اشتاق لذاك الشغب البريء برفقة "شلتنا" حين كانت كل اهتماماتنا فقط تنحصر ضمن اطارين الأول "حبنا لتلك المعلمة" والثاني " العلامات والدجات".
أشكرك تارة يا "اكتوبر" وأغضب منك تارة أخرى
فكما أيقظت من داخلي كل جميل .. استطعت أن تؤلمني ببعض ما أحييته في ذاكرتي.. تحديدا حنيني إلى "نفسي القديمة"!
ولكن لا تحزن.. فلا الذنب ذنبك.. ولا هو ذنب أحد.
أهلا بك.