المصالحة الفلسطينية الفلسطينة
اللواء المتقاعد مروان العمد
06-10-2017 01:18 PM
في عام ٢٠٠٦ جرت انتخابات تشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة اسفرت عن فوز حركة حماس بأغلبيه مقاعد البرلمان. وقام اسماعيل هنيه بتشكيل الحكومة وقدمها للرئيس محمود عباس. الا ان التنظيمات الاخرى بما فيها حركة فتح رفضت الاعتراف بذلك والمشاركة بحكومة ترأسها حركة حماس. وامتنعت حركة فتح بالقطاع والتي كان يرأسها محمد دحلان عن التعاون مع هذه الحكومة وكذلك امتنعت الأجهزة الأمنية من التعاون معها. فقام وزير الداخلية الحمساوي سعيد صيام بتشكيل قوة مسلحة أطلق عليها القوة التنفيذية لتكون ذراع حكومة هنيه بالإضافة كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس. وعلى إثر ذلك اخذت تحصل اشتباكات ما بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وعناصر فتح في غزة من جهة والقوة التي شكلتها وزاره الداخلية وعناصر القسام من جهة أخرى. وقد استمرت عمليات القتال بين الطرفين الى الرابع عشر من شهر حزيران عام ٢٠٠٧. حيث هربت عناصر امن السلطة عن طريق البحر وعلى رأسهم محمد دحلان وسيطرت حركة حماس سيطرة كاملة على قطاع غزة واعقبها عمليات انتقامية غير انسانية بحق عناصر من حركة فتح في القطاع.
وعلى اثر ذلك اصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قراراً بحل حكومة هنيه وتشكيل حكومة جديده براسة سلام فياض . وبهذا أصبح هناك سلطتان وحكومتان فلسطينيتان احداهما في رام الله والاخرى في غزة ولكل حكومة اجهزتها الأمنية المسلحة وتدعي الشرعية. وعلى مدار حوالى احد عشر عاماً استمر الوضع على ما هو عليه رغم الكثير من محاولات المصالحة بين الطرفين والتي قادت اغلبها مصر وبالذات جهاز المخابرات فيها سواء اكان ذلك في عهد حسني مبارك او في عهد محمد مرسي او في عهد عبد الفتاح السيسي .
وقد ترتب على قيام السلطتان وانسحاب عناصر السلطة من المعابر الحدودية ما بين الكيان الصهيوني وقطاع غزة وما بين القطاع والاراضي المصرية ان سيطرت القوات الصهيونية على المعابر بينها وبين القطاع واخضعتها كلها لسلطتها وقامت بإغلاقها وتركت القليل منها مفتوحاً ولكن بقيود مشدده . اما بالنسبة للمعابر مع مصر فبعد انسحاب عناصر السلطة منها واقتصار التواجد على عناصر حماس فقد تم اغلاقها عملاً بالترتيبات السابقة ولم تكن تفتح الا للحالات الإنسانية. وكان كل ما يتطلب الامر لإعادة فتحها هو السماح لعناصر السلطة بالإشراف على هذه المعابر الامر الذي كانت ترفضه حماس مما زاد من معاناة سكان القطاع وانتشار تجاره التهريب عن طريق الانفاق وما حققته هذه الانفاق من ارباح باهظه على من عمل بها.
وقد بقي الحال على ما هو عليه الى ان اخذت تتسرب انباء عن اتصالات ما بين حماس والقيادي الفتحاوي المفصول منها والمقيم في منطقه الخليج العربي محمد دحلان وبرعاية المخابرات المصرية ايضاً . وقد عقدت اجتماعات بين الطرفين وجرى الاتفاق على عوده دحلان الى غزة ومشاركته مع انصاره في حكومتها مقابل تعهده بتوفير الدعم المالي لهذه الحكومة .
ولكن وبطريقة مفاجئة فقد تم الاعلان ان اتصالات جرت ما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس برعاية المخابرات المصرية وان حركة حماس اعلنت استعدادها لتسليم كافه الوزارات لحكومة الوفاق الوطني والتي كان قد تم تشكيلها عام ٢٠١٤ باتفاق الطرفين ولكن حكومة حماس امتنعت عن الالتزام بها .
وفعلاً عقدت حكومة الوفاق اجتماعها لأول مره في قطاع غزة برأسه رامي الحمدالله وسط اجواء احتفاليه وترحيب شديد من قبل حركة حماس وبحضور مدير المخابرات المصرية وبإذاعة خطاب متلفز للسيسي تم بثه من خلال شاشه في قاعه الاجتماع .
اذاً ما الذي حصل وادى الى هذه النتيجة ؟ وما هي توقعات المستقبل؟ .
في البداية لابد ان نلاحظ ان هذا الاتفاق قد أعقب انعقاد الدورة الثانية والسبعين للهيئة العامة للأمم المتحدة بحضور العديد من زعماء العالم ومن زعماء المنطقة وأطراف الصراع فيها وما صدر من تصريحات على لسان الرئيس الامريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون والسفير الامريكي في تل ابيب الصهيوني المتعصب ديفيد فريدمان عن السعي لحل القضية الفلسطيني مع استبعاد حل الدولتين كونه أصبح من الماضي ومع استبعاد الانسحاب من غالبيه المستوطنات الإسرائيلية. وبنفس المناسبة فقد عقدت لقاءات متعددة بين عدد من زعماء المنطقة ومن بينهم زعماء الطرفين الصهيوني والفلسطيني مع ترامب ومع العديد من المسؤولين الامريكيين. وهذا يعني انه اما انه قد تم التفاهم على خطوط الحل وانه صدرت الاوامر الأمريكية بالتنفيذ فما كان من حماس والسلطة الا ان يوقعا على اتفاق المصالحة كخطوه في اتجاه الحل ويدعم ذلك تصريح مصدر فلسطيني عن مساعي غربيه للربط ما بين اتمام المصالحة واستئناف المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية إذا توفرت بهذه المصالحة شروط معينه تجعل ذلك ممكن الحدوث. او ان الطرفان استشعرا الخطر والتخلي الامريكي عن القضية الفلسطيني ولذا فقد قررا ان يوحدا جهودهما ويزيلا عوامل الخلاف بينهما .
قد يكون ذلك تفسير حدوث هذه المصالحة بالإضافة الى وجود تفسيرات أخرى واولها ان حركة حماس قد ارهقها تحمل مسؤوليه القطاع وخاصه المالية في ظل ظروف المقاطعة والحصار والتطورات الدولية ومحاربه الارهاب واعتبار جماعه الاخوان المسلمين وحركة حماس من التنظيمات الإرهابية في العديد من الدول ، وتفجر الصراع الخليجي مع قطر واتهامها بأن تمويلها لحماس هو تمويل للإرهاب مما جعلها توقف هذا التمويل بعد زياره وزير الخارجية الأمريكية لقطر والتوقيع معها على اتفاقيه محاربه الارهاب بالرغم عن عدم اعلان قطر عن ذلك رسمياً . فأرادت حماس ان تلقي بتلك المسؤولية على عاتق السلطة .
ومن ناحيه السلطة فقد خشيت من الاتفاق الذي كان قد تم رسم ملامحه ما بين حماس ودحلان ( والذي يمكن ان يكون قطعه الجبن لإيقاع السلطة بهذا الفخ ) ولذلك سارعت للترحيب بالمصالحة مع حماس ، وعقد اول جلسه لحكومة الوفاق في غزة والذي ما كاد ان ينتهي حتى بدأت تلوح بوادر فشل المصالحة .
فقد رفضت السلطة الفلسطينية ايقاف العقوبات التي اوقعتها على حكومة القطاع فوراً واجلت ذلك في انتظار ما سوف تسفر عنه المباحثات ما بين مسؤولين من فتح وحماس بالإضافة الى ممثلين عن تنظيمات فلسطينية اخرى والتي سوف تعقد اعتباراً من يوم الثلاثاء القادم في القاهرة حول تقاسم السلطة وأجراء الانتخابات وغيرها ، واعلان حماس عن خيبه املها من ذلك .
يضاف الى ذلك ما صدر من تصريحات حمساويه عن رفض تسليم سلاح المقاومة علماً انها تملك ترسانة عسكريه ضخمه نجحت في ادخال غالبيتها عبر الانفاق . وما اُعلن مؤخراً عن تعين الحمساوي المتشدد صالح العرعوري كنائب لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنيه بهدف جعل القيادة موزعه ما بين معتدل ومتطرف ومحاوله لتنشيط حركة حماس في الضفة الغربية كون العاروري منها مع وجود الحمساوي المتطرف يحيى السنوار القائد العام لحماس في غزة .
في حين ان محمود عباس قد صرح بأنه يجب ان تتسلم السلطة الفلسطينية كل شيء في غزة بما فيها المعابر والامن والوزارات وسلاح حماس قائلاً انه ان يسمح باستنساخ تجربه حزب الله في لبنان . وقال يجب ان تكون هناك دوله واحده بنظام واحد وسلاح واحد.
ومن العقبات امام استكمال الاتفاق مسألة عشرات الآلاف من الموظفين الذين وظفتهم حركة حماس منذ عام ٢٠٠٧ وحتى الآن والذين استبقوا اي قرار يتعلق بهم بالتظاهر مطالبين السلطة بالمساواة ما بين رواتبهم ورواتب من كانت قد عينتهم السلطة سابقاً. وبخصوص موضوعهم فقد صرح عباس بأن قضيتهم سوف توضع على طاوله المباحثات .
كما ان من المشاكل الشائكة تشكيل الحكومة واجراء الانتخابات التشريعية وموضوع الأجهزة الأمنية وطلب حماس دمج وحدات الشرطة والامن التي شكلتها ضمن اطار الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة واعاده بناء منظمه التحرير والتنسيق العسكري مع اسرائيل وكيفيه تعامل حماس مع واقع اعتراف السلطة بالكيان الصهيوني .
كل هذه الامور او بعضها قد تعرقل اتمام المصالحة لأن اتمامها يتطلب تنازلات اخرى كبيره من حماس .
ولكن مما يلفت النظر الترحيب الحمساوي الشديد بالدور المصري بالمصالحة وخاصه بدور مدير المخابرات المصرية بالرغم من انه كان ما بين الطرفين ما صنع الحداد وبالرغم مواقف حماس التي كانت داعمه لأخوان مصر حتى بعد اسقاطهم عن الحكم . ورغم الحملات الإعلامية والاتهامات المتبادلة بينهم وبين نظام السيسي الذي كانت كلمته في اجتماع حكومة الوفاق وكأنها ارشادات ومواعظ . فهل حركة حماس تعلن انها سوف ترتدي ثوباً جديداً يتناسب مع موديلات العصر الحالي ام انها تحاول الخروج بأقل الخسائر . او انها من الاساس كانت تلعب بورقه المقاومة حتى تبقى تحكم الإمارة . قد تكون بعض الاجابات في اللقاء الذي سوف يجريه الاعلامي المصري عمرو اديب مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الليلة كما اجرى مقابله سابقة مع محمود عباي و رامي الحمد الله في رام الله . وهذا لمن يعرف من هو عمرو اديب وموقفه من حماس هو وزوجته لميس الحديدي التي ترافقه في زيارته الحالية الى غزة .
وسبحان مغير الاحوال او كاشفها .