كيف نتعامل مع «الاسلام السياسي» بعد العدوان على غزة؟
حسين الرواشدة
29-01-2009 05:34 AM
لم يتردد احد اساتذة العلوم السياسية المعروفين في بلدنا عن الاعتراف بأنه بدأ فعلا بتكريس بحوثه ودراساته عن «الاسلام السياسي» في منطقتنا ، وبأنه قد فوجىء حقا بما حققه هذا التيار - على جبهة المقاومة ضد اسرائيل تحديدا - من صمود وانتصارات ، وما انجزه على مستوى الشارع من شعبية ، وما يمكن ان يساهم فيه من «تغييرات» في المستقبل ، اذا احسنت الحكومات التعامل معه ، واستثماره ، واعتبرته شريكا لا ندا ، وجزءا من معاملة الحراك السياسي والمجتمعي لا مجرد معارضة عدمية او قوة خارجة عن السياق.
لا شك بأن نجم التيار السياسي الاسلامي ، قد تصاعد واخذ بريقا جديدا بعد العدوان الاسرائيلي على غزة ، فحماس التي كانت عنوانا للمواجهة استعادت دورها الذي بدأته في الانتفاضة ودخلت الى بيوت الملايين في عالمنا العربي والاسلامي وخارجه ، واستطاعت - ايضا - ان تخرج من مربع «السلطة والحكم» الذي اتهمت فيه بعد حادثة الانقلاب الى مربع «الشرعية النضالية» وهو مربع لا يقوم على الشعارات والخطابات فقط وانما على الاستعداد الفعلي للمواجهة ، والنجاح في تجربة المقاومة ، وانتزاع الاعتراف العربي والدولي بها ، ناهيك عن التعاطف والتأييد.
ومن تركيا خرج اردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية بصورة «البطل العثماني» الذي يحاول اعادة «الرابطة الاسلامية» الى تاريخها المضيء ايام «الخلافة» في بداياتها ، وسجل «الاسلام السياسي» في تركيا موقفا مفاجئا من العدوان على غزة ، والتف الملايين من الاتراك حول «خيار» اردوغان وموقفه ، وكأننا امام هزيمة للعقلية الاتاتوركية التي ارادت فصل تركيا عن محيطها الاسلامي ، وقطع علاقتها «بالاسلام» والعرب استعدادا للالتحاق بالغرب.
في موازاة ذلك ، كان الخطاب الاسلامي الذي انطلقت منه «حماس» في ادارتها لمواجهة العدوان ، قد وجد اصداءه المدوية في عالنا العربي والاسلامي ، سواء في «انتفاضة» العلماء او في احساس الشارع المتدين اصلا بما فعله «المقاتلون» في غزة ، وهم ينطلقون في مقاومتهم من دائرة «الايمان» ولواء الجهاد في سبيل الله ، مما ولد لدى الكثيرين قناعة بقدرة «الاسلام» على شحن الهمم وادامة الصمود ، مقارنة بما تحقق تحت رايات القومية والليبرالية وغيرها من انسكارات على صعيد الامة ومعاركها المختلفة ، وهذا كله صب في رصيد «الاسلام السياسي» وجعله عنوانا لخيارات الناس واتجاهاتهم ايضا.
على الطرف الآخر ، ثمة من يشعر بأن تصاعد نفوذ الاسلاميين في الشارع ، وبأن ما اضافته المقاومة الاسلامية في غزة من تعاطف معهم ، ومن صورة جديدة لانضباطهم وقدرتهم على الحشد والتظاهر ، سيدفعهم الى استثمار ذلك سياسيا ، والى رفع سقوف مطالبهم ، وهذه - بالتالي - مسألة تستلزم المراجعة ، وتستدعي اعادة ترسيم العلاقة معهم املا في اعادتهم الى حجمهم الحقيقي ، وعدم السماح لهم بالاستئثار في الشارع ، سواء لاعتبارات سياسية قد تفرضها المستجدات القادمة في المنطقة ، او لمخاوف تاريخية ما تزال تجد لدى بعض المسؤولين ما يدعمها من قراءات.
ومهما يكن الامر ، فان تيار الاسلام السياسي ، بحركاته وحكوماته ، يستحق من عواصمنا العربية والاسلامية «ناهيك عن الغرب الذي بدأ فعلا في الانفتاح مع هذه الحركات ، خاصة على صعيد ما تسرب من حوار بين حماس والاوروبيين» اعادة النظر في مواقفها منه ، والبحث عن شراكة حقيقية وحوارات جدية تستطيع ان تستثمره وتتعاون معه في اطار معادلة «السياسة» لا المواطنة فقط ، والشراكة لا الاستخدام ، وتنويع الخيارات لا الانجرار خلف المخاوف ، واحسب هنا ان اعادة قراءة التحديات التي تواجهنا استراتيجيا يفرض علينا ان نبحث عن جبهات داخلية متينة قائمة على التحالف والتآلف بين مختلف القوى المجتمعية ، وعن قراءات واعية لمصدر التهديد الحقيقي لا الوهمي.. وهو - هنا ودائما - الاحتلال مهما تغيرت اسماؤه.