كنا في رمضان، عام 2010، وفي ضيافة رئيس الحكومة العراقية، آنذاك، نوري المالكي، في المنطقة الخضراء، في بغداد، والمحادثات الأردنية العراقية، تناولت ملفات كثيرة.
محادثات استمرت بضع ساعات، حتى موعد تناول طعام الإفطار في بغداد، وبعده بوقت قصير، حلقت الطائرة الأردنية، من مطار بغداد الدولي، الى مطار السليمانية، والوفد الرسمي الأردني، الذي يضم رئيس الوزراء، وعددا من الوزراء، كان على موعد مع الرئيس العراقي، جلال طالباني، وهو اول رئيس غير عربي للعراق، وزعيم كردي معروف.
يومها، وخلال اللقاء المغلق، وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلا، انطلق الرئيس العراقي، على راحته ليوجه نقدا حادا وسلبيا، الى رئيس الوزراء العر اقي، نوري المالكي، قائلا ان المالكي شخص طائفي، وهو ضد بقية المكونات العراقية، من اكراد، وعرب سنة.
بدأ بشرح معادلة العراق، التي ستؤدي نهاية المطاف الى التقسيم، مالم تراع الحكومة في بغداد، بقية المكونات، وتتصرف باعتبارها للجميع، على الصعيد السياسي، وفي سياقات حل إشكالات معقدة جدا، وقد كانت شروحاته السياسية ليلتها، دليلا واضحا، على ان الاكراد لن يبقوا الى مالانهاية تحت حكم بغداد الرسمية، وان كل المراهنات على تغيير بغداد لسياساتها مضيعة للوقت.
بلغت جرأة الطالباني ليلتها، ان ينسب الى زعماء عرب، مقولات في غاية السوء، بحق زعماء عراقيين آخرين، بمن فيهم رئيس الحكومة، في ذلك الوقت، وايا كان الكلام الذي قاله طالباني، فقد كان يعبر عن ازمة مبكرة في كردستان، وهي ازمة قديمة، لم يخفف من حدتها ان الرئيس العراقي، بات على كوتا الاكراد، وكان واضحا يومها ان الاكراد، يشترون الوقت، ويقومون بجدولة الوقت فقط، حتى يصلوا الى مرحلة يعلنون فيها الانفصال، مثلما نرى هذه الأيام، خصوصا، بعد الاستفتاء.
رحل الرئيس جلال طالباني، وهو زعيم له من يناصره، ومن يعاديه وكان على صلة إيجابية بالأردن، لكن ذلك اللقاء السياسي، في منزله، منتصف ليلة من ليالي رمضان، كان يعبر عن حقيقة المشكلة في كردستان، وكان واضحا، ان الاكراد برغم ان الرئيس منهم، وبرغم ان المعادلة الجديدة في العراق، الا انهم كانوا يتوقون الى الانفصال، مثلما كانوا يرون في ذلك الوقت، في بغداد خصما، لا يتغير، سواء كان الحاكم صدام حسين، او من جاء على صهوة العراق الجديد.
في السياسة، لا يمكن لاي ازمة ان تأتي فجأة ودون مقدمات، وبهذا المعنى، فإن موروث الاكراد التاريخي، كان يبرق بمؤشرات الانفصال، على المستوى الشعبي، والحزبي، وعلى مستوى النخب، بما في ذلك في عز قوتهم بوجود رئيس للعراق كردي، وبرغم ان موقعه كان شرفيا، الا انه لم يساهم ابدا في إطفاء تطلعات الاكراد للانفصال.
الطالباني الذي رحل مثله مثل كل الزعماء الاكراد.
الدستور