ما حدث في هذا الكوكب خلال سبعة عشر عاما من حيث التسارع والاحتراب وجنون الهوية ونزعات التمرد والانفصال كان يحتاج في الماضي الى ثلاثة قرون على الاقل، وسبب ذلك هو ان التراكم الذي استمر زمنا طويلا أزف موعد انفجاره تماما كالبراكين الخامدة التي قد تصمت قرنا أو أكثر وتفاجىء الناس باندلاعها.
وما حدث ليس فوضى وعدمية ما بعد التاريخ كما قال فوكوياما ولا هو انهيار مفاجىء في منظومات من المفاهيم والقيم، انه من محاصيل ثقافة حملت عدة أسماء من اجل التضليل سواء كانت العولمة أو ما بعد الحداثة أو ما بعد الإنسان، والمفارقة هي في هذا التناسب العكسي بين التطور التكنولوجي والارتقاء الفكري والاخلاقي، فالتكنولوجيا وضعت رغما عنها وعن العلماء الذين ساهموا في اختراعاتها في خدمة الميثولوجيا والخرافة، وبفضل ما أنتجت من أسلحة أصبحت معظم المدن والحواضر العريقة أطلالا ولم تصمد بقايا الفروسية أو ما يسمى المناقبية أمام الزحف البراغماتي الأخطر من الزحف الجليدي أو حتى الطوفان.
وها هو العالم من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه سيدفع الثمن، لأن من يخترع السمّ قد يموت به، ومن يحفر حفرة لأخيه أو حتى غير أخيه قد تصبح قبره!
أذكر أن الكاتب اللبناني بالفرنسية أمين معلوف قال في كتابه اختلال العالم إن البشرية دخلت الى الألفية الثالثة بلا بوصلة، أو ببوصلة معطوبة، فالقتل والتنكيل وإهانة الإنسان تتم تحت شعارات شيطانية رغم أن ادعاء أصحابها بأنهم معصومون وهم وحدهم الصائبون والناجون!
لقد خيّب هذا القرن كل التوقعات التي استبقته عشية وداع الألفية الثانية، وكانت البداية في عامه الأول زلزال الحادي عشر من أيلول.
فهل أصاب الجنون التاريخ ايضا بعد أن أفقد الجغرافيا توازنها؟ والاخطر من كل ذلك العجز عن فهم ما يجري واللامبالاة بما سوف يفرزه من كوارث!!
الدستور