الخصم والحكم .. هيومن رايتس ووتش
د. نضال القطامين
03-10-2017 07:07 PM
كلّما أفرغت صفحات موقعها، عادت هيومن رايتس ووتش من جديد للنافذة المفتوحة أمامها رقصاً على جراح الناس وآلامهم ثم تخرج على العالم بتقارير تنقصها المهنية والحياد.
وافق الأردن عام 2014 على افتتاح مكتب لمنظمة هيومن رايتس ووتش في عمان، لتكون المملكة واحدة من 70 دولة فقط تسمح لهذه المنظمة الأمريكية بالعمل من الداخل.
وقد جاء باعتراف المنظمة ذاتها أن حصولها على موافقة لافتتاح مكتب لفرع محلّي في عمّان، يدلّ على أن الأردن يقدم القدوة التي يجب أن يتبعها جيرانه في التعامل مع المؤسسات العالمية، ومنها المعنية بقضايا حقوق الإنسان المُلحّة، (رسالة سارة ليا ويتسن/ المديرة التنفيذية/قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا/ الموجهة الى دولة رئيس الوزراء). فهل أخفت المنظمة الأمريكية التي تستقي أخبار ما تنشره من " متطوعين"، أنيابها القبيحة وراء ابتسامة باهتة؟
لا أحد يمكنه الإعتراض على من ينافح عن حقوق الإنسان، لكنه من الساذج أيضا تغليف هذه المنافحة وتبطينها وتجميلها لتسويقها على أساس من البراءة والإنسانية، ومن غير المنطق كذلك، النظر إلى حدث معين دون سواه، وكذا النظر إلى بلد معين دون سواه، بشكل قبيح يعيدنا الى تصفح سجل هذه المنظمات الانسانية جداً والنظر الى نتائجها الانسانية أيضا في مصر وليبيا واليمن وبالطبع في سوريا.
لست راغبا في الحديث عن نشاطات المنظمة في السبعين بلد التي فتحت مكاتبا لها فيها، ولست متسائلا كذلك عن الأسباب التي منعت الدول الأخرى – غير السبعين – من التصريح للمنظمة للعمل فيها، ومؤكدٌ انكم تتساءلون معي عن خجل المنظمة من إصدار تقاريرها حيال انتهاكات خطيرة في عديد من الدول، لكنني أتسائل بصوت عال، عن سبب واضح لاستهداف الاردن والنظر اليه كدولة غير مهتمة بحقوق الإنسان وخصوصا فيما يتعلق باللاجئين السوريين، كان آخر شواهده ما صدر بالأمس القريب عن اتهام الاردن بترحيل اللاجئين السوريين.
والسؤال هنا مقلق وكبير، كيف يمكن لمقابلات مع 48 لاجئا سوريا - منهم 13 على الهاتف – ان تغطي بغربال ممزق شمسا أردنية سطعت منذ بدء الازمة السورية تمثلت في تقديم العون والملجأ وخدمات التعليم وفرص العمل والعلاج لنحو مليون وستمئة ألف لاجىء، بل السؤال هو هل تقبل منظمة مثل هيومن رايتس ووتش وهي التي تدرفع شعار "نحمي الحقوق ونحفظ الأرواح" ،ان تلغي حق الاردن في أمن مدنه وحدوده وسكانه ومن بينهم بالطبع اللاجئون الذين يشكلون ما نسبته نحو 20 % من عدد سكان المملكة، وتختزل القضية بكل أبعادها الأمنية والجنائية في عنوان قصير النظرة واسع الهدف وهو ترحيل اللاجئين؟ كيف يمكن لهذه المؤسسة العمل بانحياز جليٍ وواضح ؟
يقول تقرير المنظمة، أن الأردن يؤذي تاريخه الممتد في الضيافة عبر ترحيل اللاجئين السوريين، ويؤكد أن عمليات الترحيل مرتبطة بعدد من الهجمات الإرهابية على المملكة خلال عام 2016 ، بينما يتجاهل التقرير تماما حق الشعب الأردني والدولة الأردنية بحفظ الأمن والنظام، ويصادر بصورة فجّة حقا صانته كل الأعراف الدولية في مكافحة الإرهاب ومنع الجريمة.
يلاحظ المتتبع لتقارير الهيومن رايتس المتتابعة، أن المنظمة قد غمطت الأردن حقه وسلبته وأنكرته، وفي الوقت الذي تعلم المنظمة يقينا ويعلم معها كل العالم، أن الملايين من الذين دفعتهم الحروب والجوع والارهاب للهجرات القسرية، وجدوا أمامهم حدودا مفتوحة ومأوى يحفظ الكرامة ويرسخ مبادىء الانسانية الدولية، فإنه ليس في تقارير المنظمة ما يشير لأي من التدابير الأمنية التي استدعت تفعيلها على الفور عدد من الدول الأوروبية حين ضاقت قارتهم بعدد لاجئين لا يصل الى سكان مئة خيمة في الزعتري على الأكثر.
لقد بات واجبا على هذه المنظمة وغيرها من المنظمات، إستحداث منظمة جديدة مختصة بحفظ حقوق الإنسان الأردني الذي أنهكته الهجرات القسرية على مر التاريخ، وحملته عبئا ثقيلا في خدمات البنى التحتية والتعليم والصحة وفرص العمل، وبات واضحا أن هذه المنظمة وغيرها يقفزون بحمق وبلاهة عن الدور الانساني الأردني الذي أصبح يشكل ظاهرة تستحق الاحترام تجذرت عبر التاريخ، وإن كان أقصى ما يزعج المنظمة هو ترحيل بضعة مشبوهين أمنيا، فإن للدولة الاردنية اعتبارات أمنية جديرة بالاحترام، وإن كان الأردن بقيادته الهاشمية وشعبه لا يلتفت - على كل ما يقوم به من واجب إنساني – لكلمة شكر في تقرير المنظمة .
ينبغي بكل المقاييس، أن تعهد هذه المنظمة الى تحري الحقيقة، وأن لا تسقط ادعاءاتها على أهداف غير معلنة وغير واضحة، مثلما ينبغي عليها أن تعهد في كتابة تقاريرها لمنهج علمي إحصائي ممثِّل، لا أن تترك حبل الحقيقة ضائعا.