النظم التعليمية والمستقبل
د. عبدالله الزعبي
03-10-2017 07:25 PM
يواجه العالم تحديات جمة تؤثر على النظم التعليمية في كافة ارجائه، تتمثل اساساً بمزيج من ثورة التكنولوجيا وتحولات انماط العمل والديموغرافيا السياسية والانفجار الهائل في السكان. وتقف اليوم عملية التعليم امام منعطف يفترض بأن يأخذ العالم في مسار لمستقبل لا يمكن فهمه أو تصوره.
ووفقاً لليونسكو، سيدخل نظم التعليم العالمية في السنوات الثلاثين المقبلة عدد من الطلبة اكثر مما تخرج فيها منذ بداية التاريخ. ويكمن المشكل في أن نظام التعليم العالمي السائد يعتمد على فكرة القدرة الأكاديمية وينحو باتجاه إنتاج خريجين بمواصفات أساتذة الجامعات، وله نفس التسلسل الهرمي للمواضيع إذ يتربع في القمة تخصصات الطب والهندسة والعلوم، ثم الآداب والعلوم الإنسانية، والفنون في القاع. ويعود ذلك لعدة اسباب منها أن أنظمة التعليم، التي لم تظهر إلى حيز الوجود قبل القرن التاسع عشر، جاءت لتلبية احتياجات الصناعة والرأسمالية الناشئة. وبالتالي فإن تسلسلها الهرمي متجذر على فكرتين، الأولى تتمثل في المواضيع الأكثر فائدة للعمل إذ تأتي في أعلى سلم الأولويات، حيث الوظيفة هي الأساس والمبتغى، والثانية هي القدرة الأكاديمية التي تسيطر على مفهوم الذكاء لأن الجامعات صممت النظام التعليمي ليعكس صورتها ويشكل امتداداً لها، ما أدى إلى طمس الموهبة والإبداع.
يقول الأكاديمي البريطاني السير كينيث روبنسون: "أن جميع الأطفال لديهم مواهب هائلة لكن نظم التربية والتعليم تهدرها بلا رحمة. فإذا لم يكن الطفل مستعداً لأن يخطئ، فلن يأتي أبداً بأي شيء أصيل، ويفقد معظم الأطفال القدرة على الابتكار والإبداع ببلوغهم سن الجامعة لأنهم أصبحوا خائفين من الخطأ، ثم تؤكد طبقة الأكاديميين والساسة على شجب ووصم الأخطاء، وتقوم بتشغيل وإدارة الحكومة والمؤسسات والشركات بالطريقة ذاتها، وتصمم نظم التعليم حيث الأخطاء هي أسوأ شيء يمكن أن يحدث.
والنتيجة هي أن التعليم ينتزع قدرات الاطفال الإبداعية بدلاً من تعزيزها وتهذيبها". ذات يوم قال بيكاسو: "إن جميع الأطفال يولدوا فنانين، لكن المشكلة هي أن يبقوا كذلك عندما يكبروا".
لقد اضحت الدرجة الاكاديمية فجأة لا تستحق أي شيء، فعندما كنت شاباً ولديك شهادة كان لديك وظيفة، وإذا لم يكن لديك وظيفة فلأنك لا تريد واحدة. أما اليوم، فالوظيفة التي كانت تتطلب البكالوريوس سابقاً تحتاج الآن إلى دكتوراه.
إنها عملية تضخم أكاديمي تشير إلى أن هيكل التعليم كله يتحول إلى أنقاض، ما يستوجب إعادة نظر بشكل جذري في قدرات صناع القرار الإدراكية والذكية ويتطلب فطنة وإرادة لإنقاذ نظام التعليم بأكمله.
يقول مخترع لقاح شلل الأطفال الامريكي جوناس إدوارد سولك (1914-1995) في إحدى المقابلات رداً على سؤال "من يملك براءة اختراع لقاح شلل الأطفال؟" فأجاب "لا أحد؛ هل يمكنك استخراج براءة اختراع للشمس؟".
لقد حفر النظام التعليمي العقول كأنما تقتلع لغماً مزروعاً في الأرض من اجل سلعة أو خدمة، وذاك لن يخدم المستقبل ولن يجدي نفعاً. يجب إعادة التفكير في المبادئ الأساسية التي نثقف بها الأطفال حتى يتمكنوا من مواجهة المستقبل الذي قد لا نراه.
وثمة اقتباس رائع آخر لسولك مفاده: "إذا اختفت كل الحشرات على الأرض في غضون 50 عاماً فستنتهي الحياة، أما إذا اختفى البشر فإنها ستزدهر".