استفتاء اقليم كردستان النتائج والتوقعات
اللواء المتقاعد مروان العمد
03-10-2017 04:22 PM
بالرغم من كل التهديدات والاعتراضات وطلب تأجيل الاستفتاء في اقليم كردستان العراق الا ان الاستفتاء قد تم اجراؤه في موعده بتاريخ ٢٥ / ٩ / ٢٠١٧
ورغم توقعاتي بأن الاستفتاء سوف يجري ولكن بأغلبية بسيطة بسبب معارضة حزب التغيير الممثل للقوى المدنية والعلمانية وحزب الجماعة الإسلامية الكردستانية الممثل للإخوان المسلمين للاستفتاء وانضمام الحزب الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني لهذه المعارضة ، الا انه في اللحظات الأخيرة وفي عشية يوم الاستفتاء اعلن حزب التغيير وهو الحزب الثاني في المنطقة تعويم موقفه من الاستفتاء وإعطاء اعضائه حريه المشاركة من عدمها .
وبعد يومين من الاستفتاء اعلنت اللجنة المنظمة للاستفتاء مشاركة حوالي ثلاثة وسبعين في المائة من الناخبين فيه وان من صوت بنعم منهم للاستقلال بلغت نسبتهم حوالي ثلاثة وتسعين في المائة . وعلى فرض صحة هذه الارقام وهو ما اميل اليه بالرغم من تشكيك البعض والقول ان نسبة التصويت في محافظة السليمانية مركز الاحزاب المعارضة للاستفتاء لم تتجاوز الستة واربعين في المائة.
وتثبت نسبة التصويت العالية هذه ونسبة المصوتين بالموافقة شبه المطلقة مدى الرغبة العارمة لدى الأكراد بأن يروا كياناً مستقلاً لهم بالرغم من ان الاستفتاء قد جرى بالعراق اكثر دول التي منحتهم حقوقهم .
وربما يعود ذلك الى ضعف الدولة في العراق وانهيارها . والظروف التي يعيشها حالياً من اخطار الارهاب الداعشي والحشد الشعبي الشيعي .
ولكونهم عاشوا سنوات طويلة وخاصة خلال العشرين سنة الأخيرة بعيداً عن سيطرة الدولة المركزية في بغداد مما قضى على سلطتها وتأثيرها في الاقليم .
وقد اعطى هذا الاستفتاء مؤشرات الى ما يمكن ان يحصل من قبل الاكراد في كل من تركيا وايران وسوريه وما يمكن ان تفعله هذه الدول لمواجهه هذا الخطر .
والبداية ستكون من العراق حيث اعلن رفضه للاستفتاء ونتائجه وطالب بإلغائه قبل الدخول بأي حوار مع سلطات اقليم كردستان .
كما اعلن عن حظر الطيران فوق منطقه كردستان الا لأسباب انسانيه او عسكريه . كما طالب بتسليمه اداره المطارات في الاقليم بالرغم من غيابه عن القيام بهذا الدور خلال السنوات الماضية والتي كانت تقوم به سلطات الحكم الذاتي في الاقليم. الا ان السلطات التركية تركت الخط ما بين مطار بغداد ومطارات الاقليم مفتوح. ومعنى ذلك ان من يريد ان يسافر الى الاقليم او يغادره جواً سوف يسمح له بالسفر من مطارات المنطقة ثم الى مطار بغداد ومنه الى اي مكان بالعالم وبالعكس والذي سوف يتعرض لضغط في حجم العمل أكثر من طاقته. ومن غير ان يتم توضيح كيفية تطبيق هذا القرار وهل لدى السلطات العراقية القوة العسكرية والجوية القادرة على تنفيذه ام ان ذلك سيكون بتعاون من قبل تركيا وإيران بالإضافة للقوة القانونية؟
كما طالبت السلطات العراقية تسليمها جميع المراكز الحدودية للإقليم بالتعاون مع تركيا وايران . وقد ردت سلطات الاقليم برفض هذه الطلبات والقول ان اجراء الاستفتاء يتفق مع الدستور العراقي ومع قرار الحكم الذاتي ومع قوانين الاقليم.
كما قامت السلطات العراقية بإجراء مناورات عسكريه مع كل من تركيا وايران وفي المناطق المحاذية لحدود الاقليم .
ولكن من يتابع التصريحات العراقية والمواقف الحقيقية فأن قضيتهم مع الاقليم تتعلق بالمناطق المتنازع عليها مثل محافظه كركوك ونفطها وعلى المناطق التي احتلتها قوات البشمركه من تنظيم داعش من خارج الاقليم واعتبرتها تابعه للإقليم وشمولها بالاستطلاع . وفي حال ابدت سلطات الاقليم مرونة في هذا المجال وتم الاتفاق على كيفية توزيع عائدات النفط فلن تعود هناك مشاكل كثيره مع سلطات الاقليم وخاصة انها كانت بعيده عن سيطرتهم منذ زمن طويل وستكون بغداد على استعداد لتقديم المزيد من التنازلات لسلطات الاقليم مع ارتباط شكلي بالسلطة المركزية. وخاصة بأنها غير راغبه وغير قادره على الحل العسكري وقد أعلن حيدر العبادي انه سيعمل على حماية اكراد العراق من اي عمل عسكري. كما اخذت تتردد اخباراً عن وساطات دوليه بين الطرفين للوصول الى حل ينزع فتيل التوتر.
ولكن ماذا عن دول الجوار تركيا وايران والى حد ما سوريه من هذا الاستفتاء ونتائجه ؟
ولنتحدث عن تركيا ، ان اعتراض تركيا على الاستفتاء ونتائجه ليس خوفاً من انقسام العراق وربما كان ذلك اكبر امنياتها على شرط ان لا يتضمن دوله كرديه لما له من تأثير ومخاوف عليها وعلى وحده اراضيها حيث يقيم اغلبيه الاكراد وبعدد يتراوح ما بين خمسه عشر وعشرين مليون وبنسبة تصل الى عشرين في المائة من سكانها . حيث سيكون لاستقلال اقليم كردستان العراق دافعاً لهم لتحقيق املهم في الاستقلال التام عن تركيا. ولذلك كانت رده فعلها شديده حيث هدد أردوغان زعماء الاقليم بعدم اجراء الاستفتاء. وعندما تم اجرائه هدد بالقيام بإجراءات عسكريه بالتعاون مع إيران والعراق وأجرى مناورات عسكريه مع القوات العراقية قرب حدود الاقليم. وحشد قواته وأعلن اغلاق المنافذ الحدودية وهدد بإغلاق انابيب النفط المارة من الاراضي التركية الى موانئها. وقال ان زعماء كردستان قد غدروا به بعد ان قام بتسليحهم وتدريبهم على السلاح ومساعدتهم على الاستيلاء على اراضي جديدة خارج حدود الاقليم وهي التي الآن موضوع منازعة مع السلطات العراقية.
ولكن لنناقش هذه التهديدات والاحتمالات . فهل تركيا على استعداد لشن حرب على اكراد العراق داخل اراضيهم الجبلية الوعرة والتي هي رغم محاولاتها المتكررة واجتيازها للحدود العراقية عده مرات لم تستطع ان تقضي او تضعف نفوذ حزب العمال الكردستاني في المنطقة ؟ .
ثم ما هو رد الفعل المتوقع من اكرادها الذين سيكونون خلف خطوط قواتها ؟ .
اما بالنسبة لأغلاق انابيب النفط فأن اكراد العراق سيبقى لهم نفطهم لاستعمالهم كما سوف تنشط تجاره تهريب النفط عبر الاراضي التركية كما كانت داعش تهرب نفطها عبر حدودها من غير ان تستطيع منع عمليات التهريب هذه الا اذا اعترفت تركيا ان تهريب نفط داعش كان يتم بمعرفتها وتحت عينها ولصالحها .
كما لا ننسى ان تركيا اليوم ليست تركيا قبل سنة او سنتين عندما تغيرت قواعد اللعبة وتغيرت التحالفات وقل اصدقائها وكثر منتقدوها واولهم الدول الروبية الذين سوف يحملون لواء الإنسانية ويذرفون دموع التماسيح على اكراد العراق .
وبعدما اصبح أردوغان وفي كل يوم يخرج بتصريحات ومواقف جديدة ثم يتراجع عنها في اليوم التالي .
يضاف الى ذلك ان التدخل العسكري التركي في شمال العراق امر مرفوض من قبل الحكومة العراقية لخشيتها من ان يتحول ذلك الى احتلال دائم .
اما بالنسبة لإيران فهي وان اغلقت معابرها الحدودية مع منطقه كردستان العراقية واوقفت التعامل المتبادل معها بمجال النفط والغاز . وان كانت تخشى ما تخشاه تركيا من وراء استقلال هذا الاقليم وتحرك اكرادها في هذا الاتجاه فأنني اعتقد ان انشغالها بما يحصل في كل من سوريه والعراق واليمن سيحد من قدرتها على التدخل العسكري في هذا الاقليم وحتى اعتقد انها غير راغبه بهذا التدخل الا إذا كان عن طريق تنظيمات الحشد الشعبي التابعة لها.
وحتى يكتمل الحديث عن هذا الموضوع فلا بد من التعرض لموقف الولايات المتحدة الأمريكية والتي اعلنت معارضتها للاستفتاء قبل اجرائه وانها لن توافق على نتائجه . ولكن بعد الاستفتاء خفت لهجتها واصبحت تدعوا للحوار. وهذا يدفعنا للتساؤل هل حقاً كان موقفها معارضاً للاستفتاء ام داعماً له من خلف الصورة كجائزه وترضيه لأكراد العراق لمواقفهم منها ومساعدتهم لها في احتلال العراق ومن ثم للتصدي لتنظيم داعش وكما هو الحال في سوريه حيث تدعم الولايات المتحدة الأمريكية الاكراد فيها وقوات سوريه الديمقراطية وعملت على حماية مدينتهم كوباني ثم تسليحهم ودفعهم لقطع نهر الفرات الى غربه والاستيلاء على مدينه منبج. ثم دعمهم بالهجوم على الرقة ودير الزور واستخلاصهما من ايدي داعش قبل ان تصل اليهما قوات النظامً. وقد اعلنت قوات سوريه الديمقراطية انها لن تسمح لقوات النظام بدخول المناطق التي حررتها واعلنت عن نيتها تنظيم استفتاء فيها لتقرير مصيرها وان قالت انها تسعى لكيان متعدد الاعراق. او ربما يتم الربط ما بين الكيانين في سوريه والعراق.
اما الموقف الاخير الذي سوف اتحدث عنه فهو موقف دوله الكيان الصهيوني حيث انها الوحيدة التي اعلنت صراحه عن دعمها لسلطه كردستان وللاستفتاء . كما كان هذا الكيان قد اقام اقوى العلاقات مع سلطه كردستان وخاصة في المجال الاستخباراتي حيث اصبحت أكبر قاعده للموساد خارج كيانهم. بالإضافة الى عمليات التسليح والدعم التكنولوجي والاستثمارات الكثيرة التي اقامتها هناك وعدد الخبراء والعاملين الصهاينة المقيمين هناك. وقد انعكس ذلك على موقف سكان الاقليم منها حيث رفعت الاعلام الصهيونية الى جانب اعلام كردستان بعد ان تم تغيب العلم العراقي الا على المواقع الحدودية. وحتى الاغاني التي كانت تدعوا للاستفتاء وتحتفل به كان المشاركين فيها يحملون العلم الصهيوني الى جانب علمهم غير مدركين ابعاد الاهداف الصهيونية على المنطقة وعليهم أنفسهم احفاد صلاح الدين والتي تريد ان تجعلهم وقوداً لنيران قد تستمر مستعرة لعقود.
فهل ما يجري سوف يعني ولادة اسرائيل أخرى في الشمال العراقي ام هي محاولة للحصول على اكبر المكاسب او هي خطة أمريكية لإبقاء المنطقة مشتعلة . ام هو طوق نجاة لداعش او التمهيد لخلق ما هو اشد وأعنف من داعش. لننتظر ونرَ ما سيحدث.
فلا زالت المنطقة مفتوحه على كل الاحتمالات .