كما هو متوقع، فقد نفذ قادة اكراد العراق تهديداتهم القديمة الجديدة بالتقدم بقفزة كبيرة نحو الانفصال عن العراق وكما هو متوقع ايضا فان حكومة بغداد بخاصة ودول الجوار بعامة كانت ردود فعلها متاخرة وباهتة ولا تتناسب مع خطورة المرحلة ولا مع فداحة الاجراء الذي سيفتح ازمة جديدة معقدة ستلقي بظلالها على جميع الازمات الحالية في الاقليم الاكثر اضطرابا في العالم.
واخيرا انصب الزيت بكثافة على النار والجوار يتفرج مكتفيا بالكلام وبالتهديد والوعيد وبالمفردات المعروفة بعدم شرعية الاستفتاء وعدم الاعتراف به وبنتائجه كأن الاعتراف من عدمه سيغير الامر الواقع على الارض.
وبنصائح اسرائيلية لقيادة اقليم كردستان تقدم الاقليم بشكل يشبه التحدي وعلى المدرسة الاسرائيلية ذاتها بالتحدي والاستفزاز وخلق واقع جديد ومن ثم التفاوض من منطق القوة من خلال الواقع والحقائق الجديدة على الارض.. يبدو ان ذلك ما سيحصل مع استفتاء كردستان على «تقرير المصير»!.
ولسنا بمعرض الدخول في تاريخ القضية الكردية والصراع الاقليمي بشانها فالاكراد متواجدون «كاقليات في دول تركيا وايران والعراق وسوريا لكنهم وعبر التاريخ لم يقوموا بحركة تمرد عسكري وحصلوا لاحقا على اقليم حكم ذاتي الا في الجزء العراقي من التواجد الكردي–وذلك يعود لان القيادة الكردية «التاريخية» كانت مرتبطة باسرائيل وانخرطت في مخططاتها فلماذا اذا لم يقوموا بحركات تمرد في تركيا وهناك الكثافة البشرية الاكثر وهناك الرفض الاشد لاي حقوق قومية للأكراد (قبل ان تاتي حكومة اردوغان وتمنحهم الحقوق الثقافية والقومية على نطاق محلي) بينما الاكراد في ايران لا يتمتعون باية حقوق قومية وتميز ثقافي وكذلك الامر في سوريا.
ان الاخطاء المتراكمة للقيادات العراقية وخصوصا قيادات ما بعد الاحتلال الاميركي–ما بعد 2003 كانت اخطاء قاتلة استخدمها زعيم الكرد الماكر والمراوغ مسعود البرزاني بمهارة وخبث بتعزيز سلطاته في «اقليم الحكم الذاتي» ذلك ان بغداد بدل ان تقيم «فيدرالية» بين العرب والكرد في العراق وتنظم علاقات واضحة ومسؤليات محدده ودقيقة وشراكة متوازنة بين بغداد واربيل - بدل ذلك الاجراء المنطقي والصحيح عمدت بغداد وربما بقبول وتشجيع مقصود من قادة اربيل بانشاء» ثلاثية «المحاصصة» بين المكونات العراقية «الثلاثة–الكرد والشيعة والسنة اي اعتبروا ان الشيعة والسنة وهما مكونات «قومية» وليست طائفية وبذلك دخل العراق في اتون المنافسة والصراع الثلاثي حيث كل طرف اصبح يسعى لتعزيز سلطات ونفوذ ومكاسب «طائفته» ولو كانت قيادة العراق حكيمة وواعية لما دخلت في التقسيم والمحاصصة الطائفية بل قامت بتنظيم علاقة «قومية» بين العرب–سنة وشيعة ومسيحيين من جهة وبين الكرد من جهة اخرى وكان ذلك سينظم ويرتب الامور اكثر وضوحا ولما اعطوا لقادة الكرد المتعصبين الطامعين للانفصال ومستغلين كل خطأ ومشكلة لتعزيز ذلك
ان « المستشار الاسرائيلي» لمسعود بارزاني هو الذي دفع الى تشجيع الزعيم الكردي على التحدي واستفزاز العالم كله وذلك لتظهر «اسرائيل» صغيرة جديدة تتحدى الجوار وتعتمد اولا على الحماس والهوس والرومانسية القومية المحلية غذاء لتطلعات القيادة في الحكم والسيطرة.
ان اختيار التوقيت الحالي لاعلان الاستفتاء ورفع وتيرة الشعور القومي والاعتزاز بالذات لدى الاكراد ليس بتلك السذاجة ذلك ان بارزاني والذي يتهم بالفساد هو واسرته ويتهم بالتسلط والدكتاتورية حيث يرفض تسليم الرئاسة رغم مرور اشهر على انتهاء جميع صلاحياته الدستورية ورغم تعطيلة للحياة البرلمانية بشل برلمان كردستان لعشرة اشهر تقريبا - وبعد ان فقد بارزاني الكثير من شعبيته وبريقه - اختار الزعيم الكردي الماكر اللعب بورقة الاستقلال وتقرير المصير وهو حلم كردي قديم لعب بتلك الورقة ليعزز شعبيته ودوره وليرجع للساحة زعيما قوميا اتى بالاستقلال بدل ان كان حتى الامس رئيسا متسلطا فاسدا زرع جميع افراد اسرته واقأربه في اركان السلطة وحاز على مكاسب مالية وتجارية هائلة امام الشعب الكردي الذي يعاني من البطالة وتردي احواله الاقتصادية عموما.
ويتساءل المرء ماذا بعد؟ ماذا سيجلب الاستفتاء؟ وحتى لو حصل الاستقلال التام واعلان الدولة هل يستطيع اقليم او دولة كردستان الحياة مع حصار جيرانها؟ اجزم انها لا تستطيع اذا اتفق جميع الجيران على محاصرتها - ليس لها منافذ بحرية كاسرائيل وليس لها حليف دولي عظيم كاميركا والغرب يمدها بكل مقومات الحياة وليس لها جاليات متنفذة في العالم كالجاليات اليهودية–لذلك فان النصائح الاسرائيلية لقادة كردستان بان عليهم ان يسيروا ويطبقوا النموذج الاسرائيلي في تحدي الجوار هي بالفعل نصائح قاتلة - إذا لا يهم اسرائيل اساسا مصلحة الكرد - انها تريدهم يموتون هم وجيرانهم العرب او الايرانيين او الاتراك ثمنا لانشغال واشعال المنطقة بازمة خطيرة جديدة لا تكون فيها اسرائيل طرفا مباشرا - لا نعلم ان كان الاكراد يدركون هذه اللعبه؟.
ازعم ان رئيس العراق الاسبق وزعيم السليمانية المعتدل جلال طالباني يدرك اللعبة لذلك ابدى تحفظه على الاستفتاء وعلى الاستقلال التام مطالبا بعقد جديد مع بغداد لصياغة علاقات جديدة مستقيمة ومتوازنة لايجاد فيدرالية او كونفدرالية العراق الجديد بين الكرد والعرب في العراق - هذا هو الحل الاسلم للكرد وللعراق للكرد مصلحة اساسية ان يظلوا مع العراق في عقد تشاركي جديد ضمن فيدرالية او كونفدرالية جديدة - لان في ذلك خير للجميع واطفاء لنار ازمة قد لا تنتهي الا بنهاية الكرد وربما بنهاية العراق معه ايضا وهذا ليس في مصلحة احد - سوى اسرائيل.
الراي