على فيس بوك: الناس أصدقاء وليسوا أعداء!
سليمان الطعاني
02-10-2017 12:47 AM
فيس بوك كشفَ ببراعة، عن سيكولوجيات الآخرين ونفسياتهم وأمزجتهم وأخلاقياتهم وحجوم شخصياتهم في التعامل، وإن لم يلتق الناس بأجسامهم وهيئاتهم الجسدية، ولكنهم يلتقون بصورهم وأشكالهم وأصواتهم ومقولاتهم وتعليقاتهم واحاديثهم ونفسياتهم، فالكلّ يعبرّ عن رأيه، والكلّ يقدّم ما لديه من أفكار ورؤى وتعليقات وطرائف وهواجس، والكلّ يستأنس أو يفرح، أو يغضب، أو يحزن، او يغتاظ .. وهذا يجامل او يمدح، وذاك يخاتل أو يقدح، وذاك يصمت ويتحسّر، او يتجاهل ويغضّ الطرف، وذاك يتعصّب ليسبّ ويشتم، وذاك يراقب ويتجسّس في الخفاء .. وهذا يأخذ موقف معتدل، وذاك ضيق الافق يسئ الظنون .. ولكن آخرون لهم حلمهم ومرونتهم وانفتاحهم ومحبتهم واتساع صدورهم، أو سماحتهم وتقديرهم وقيمهم العليا بالرغم من اختلاف القناعات وتباين الأفكار .. وعليه، فهو ميدان استعراضي للنفسيات المتنوعة.
الناس على فيس بوك يرمون بعضهم بالعيوب ويلقون التهم ويكررون ذلك ويضخمون المواقف والمعلومات والصور والأفكار السلبية والمنفرة بحق بعضهم البعض، وينشرونها على فيس بوك كما هو سائد وبطرق تتعمد تشويه وتضليل الحقائق، كل هذا أوجد أرضية خصبة لتنامي الكراهية في مجتمع لم يألف ذلك في السابق! وعَمِل على إصدار أحكام عامة عن بعضهم البعض واغتيال لشخصياتهم، ضمن خطاب اقصائي فوضوي مقلق يهدد المجتمع.
يعمد الفيسبوكيون في نشرهم في معظم الأحيان الى هذا الاسلوب للتعبير عن ميلهم الى اختزال المعلومات وترويجها ووضع الناس والاحداث في دائرة شك جامدة، يصدرون عليهم احكاماً متعجلة وغير مدروسة لأهداف خاصة، من أجل ترسيخ صورة نمطية
مشوهة حولهم تزداد خطورتها في أيامنا هذه بسبب أن وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيس بوك أصبحت هي المصدر الرئيسي لكل أفكارنا وتصوراتنا ومعلوماتنا عن كل شيء.
إن تضخيم المعلومات والمبالغة فيها وتكرارها وابرازها حتى تترسخ في الأذهان، يعمل على تلاشى أي جوانب إيجابية أخرى في صورة الجهة المستهدفة، وبمرور الوقت تترسخ الصورة النمطية السلبية عن هذه الجهة وتصبح كالحقيقة في عقول الناس خاصة مع تنوع أساليب عرضها باستخدام وسائل مختلفة، وإذا ما نجحت هذه العملية وتم تصنيع الصورة النمطية السلبية فإن مشاعر الكراهية تتجه بالكلية نحو الضحية وقد يصل الأمر إلى تعريضها للخطر أو الرغبة في التخلص منها.
نشر الكراهية، من أخطر ما يقوم به مستخدمو فيس بوك هذه الأيام، عن الأشخاص او الشعوب او الدول ... وهو من أشد أشكال الاعتداء والظلم الذي يهدد بانفجار الصراعات والعداوة والخصومة والبغضاء بين الناس ويبرر الاعتداء عليهم بأساليب رخيصة، "يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم".
المأمول أن شبكة فيس بوك تجمع على صفحاتها الناس كأصدقاء لا كخصوم، وأحبّة لا كأعداء، وأصفياء لا كرقباء .. وحتى ان اختلفوا في الرأي والتفكير، فإن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ولكن هناك من يسئ استخدامها، أو أنه يتخذّها ألعوبة يوظفّها حسب مزاجه وأهوائه ورغباته وعواطفه وتعصباته، بحيث أصبحت بعض الصفحات بيئات تعشّش فيها الاوبئة والأمراض الاجتماعية وتنبعث منها سموم الكراهية والطائفية والتنابزات والتنافرات او السخافات والتفاهات والبلادة في التعبير ومجالاً سهلاً للمناكدات والمناكفات، بل سبيلا عند البعض لإثارة النعرات وكيل الاتهامات وتشويه السمعة.... بدلاً من التواصل اجتماعياً وثقافياً وفكرياً واكاديمياً من خلال هذا الاكتشاف البارع الذي قرّبَ المسافات، ونشرَ الابداعات، وخلقَ الافكار، وجددّ الروابط الوثيقة،
ووطّد العلاقات الانسانية، وأحيا الصداقات القديمة، وجعل الاخبار الاجتماعية والأسرية والشخصية تنتقل في العالم بسرعة البرق بين الناس.....