ما وراء التقارب مع العراق
27-01-2009 02:01 PM
لم يكن قرارا عاديا ، ولم يكن لغاية الاستهلاك الاعلامي ، او لكسب رضى العراقيين لفترة زمنية وجيزة فحسب ، لقد جاء فتح الباب الاردني واسعا امام ابناء الجارة الشرقية منذ نحو اسبوع بمثابة خط استراتيجي جديد تنتهجه البلاد تلبية لمصلحة اردنية بالدرجة الاولى ولاعتبارات سياسية اقليمية ودولية ذات دلالات بالغة .
صحيح ان الاردن فتح ابوابه للعراقيين منذ احتلال العراق في العام 2003 ، ولكن شروط الاقامة على الارض الاردنية مرت بمنعطفات حادة ، فتارة يسودها التقارب وتارة التنافر ، وفي الحالين بقي ملف اللجوء العراقي مفتوحا واسئلته دون اجابات ، لكن الامر هذه المرة ليس ذي صلة باللاجئين والسياق العام للوجود العراقي في الاردن ، وانما يمكن قياس التوجه الرسمي بالاستناد الى كونه يستهدف طبقة لطالما خاطبها وسعى لكسب رضاها خلال السنوات الست الماضية وهي طبقة رجال الاعمال العراقيين واولئك الذين اثروا بعد الحرب ومن ضمنهم الذين على علاقة وثيقة بالاميركيين .
مسؤولون كبار في الدولة لا يكلون من تكرار ان عام 2009 سيشهد ركودا يعم المنطقة ، لكنهم يستثنون العراق من هذا الركود ، وسط اشارات الى ان العراق سيكون بؤرة مالية واستثمارية خلال هذا العام ، ولذلك جاء التحرك الاردني سريعا لتسهيل وتشجيع حركة رجال الاعمال العراقيين وجعل المملكة محطة لهم في المرحلة المقبلة مع وجود قناعات رسمية بأن عدم تحقيق هذه الخطوة سيجعل دولا اخرى محطات لهؤلاء المستثمرين ولتلك الثروات .
ثمة تسريبات لدبلوماسيين غربيين تميط اللثام عن ان للتوجه الاخير ابعاد خارجية ، مردها ان الولايات المتحدة لا ترغب في ان تتلقى دول مثل سوريا او ايران هذه الثروات - الناجمة عن استثمارات و اموال ما بعد احتلال العراق - باعتبارها هدية سهلة ، فيما تسعى واشنطن خلال فترة انتقالية قبل سحب قواتها الى ان تتحرك الاموال من بغداد الى عواصم دول " معتدلة " مثل عمان ، وهو ما يفسر سرعة التحول الاردني تجاه فتح الباب على مصراعيه امام المستثمرين العراقيين ومحاولة جذبهم من جديد وتسهيل حركة نقل البضائع من ميناء العقبة باتجاه الموانئ العراقية وجعله محطة رئيسة للمستوردات العراقية المتزايدة .
بعض رجال الاعمال العراقيين بقي في الاردن ولكن بنسب ضعيفة واخرون انتقلوا خلال السنوات الخمس الماضية الى دبي ثم بيروت ومسقط ، والان باتت العواصم الاوروبية مقصدا اكثر جاذبية لهم لا سيما بدافع الحصول على جنسية اخرى غير الجنسية العراقية .
في السابق دخل المستثمرون العراقيون الى عمان من بوابة اسواق العقار والاسهم والنشاط التصديري الاقليمي والدولي ، وعانى بعضهم من تفاصيل مزعجة في تامين الاقامات لموظفيه او لشركائه ، واستمرت ذات الوديعة – 150 الف دولار يودعها العراقي في البنك ما دام مقيما على ارض المملكة - حجر عثرة دون ان يزيد عدد العراقيين من اصحاب الاستثمارات ، ولا يبدو ان الخطوة الاخيرة التي انتهجتها وزارة الداخلية كافية ، فمجرد تمديد العمل بجوازات السفر العراقية ( s ) لا يكفي ، ويتطلع مستثمرون وعراقيون ان تمنح الاقامة لمن يتملك شقة في الاردن بمبلغ 100 الف دولار وان لا تقف مسألة الاقامة عند الطالب وصاحب الوظيفة او المستثمر.
قد تصدق التوقعات الحكومية وتسهم الأموال العراقية خلال هذا العام والاعوام المقبلة في تعويض بعض خسارات الركود المتوقع في البلاد للسنة الحالية، وقد تكون التحركات ذات اللونين السياسي والاقتصادي على كافة المستويات المحلية والاقليمية وحتى الدولية ذات دلالة بالغة في التأثير على اقتصاديات صغيرة في المنطقة لتجعل منها مقصدا وموئلا خلال الفترة الانتقالية المقبلة في العراق .. حينها ستكون الرؤية الرسمية قد اصابت وان كانت تأخرت كثيرا في التمهيد لهكذا دور تمتزج فيه السياسة بالاقتصاد .
الغد.