كل صحفي حر يفترض ان يكون مهتما بتعزيز استقلال وشفافية وحياد المنتج الاعلامي ،لكن لا يجوز ان نتوهم بوجود "حياد مطلق" في عالم اليوم الذي يعج بالصراعات وسيطرة قوى النفوذ المالي والسياسي على وسائل الاعلام، سواء كانت حكومية او اهلية ،مسألة مثالية مع الاقرار بتباين مستويات النزاهة والحياد التعاطي مع الاحداث بين وسيلة اعلام واخرى، وفقا للبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية ودرجة هيمنة الحكومات عليها.
كانت بي بي سي لفنرة طويلة تكتسب مصداقية اعلامية لدى النخب العربية ، فيما يتعلق ببث الاخبار المتعلقة بشؤوننا العربية ، وسبب ذلك كان غياب الشفافية في الاعلام العربي الذي تسيطر عليه الحكومات، وقد توسعت البي بي سي العربية فاصبحت تقدم الخدمة التلفزيونية بالاضافة الى موقعها على شبكة الانترنت ، واعرف ان ال بي بي سي ممولة من قبل دافع الضرائب البريطاني عبر ما تقدمه لها الحكومة البريطانية من اموال لتشغيلها،وبطبعة الحال اصبح هناك منافسون كثر، حيث يزدحم الفضاء العربي بكم هائل من المحطاتت التلفزيزنية و الاذاعية فضلا عن الصحف والمواقع الاليكترونية الناطقة بالعربية وباموال عربية، او تلك الفضائيات القادمة من الخارج وتشرف عليها حكومات وهيئات اجنبية لخدمة اجندتها السياسية !
ورغم ذلك لا تزال بي بي سي تتميز بهيبة خاصة بسبب عراقتها ومهنيتها ، ونحن لسنا سذجا لنفترض انه مطلوب من بي بي سي الانحياز للقضايا العربية،وهي بطبيعة الحال واعني بشكل خاص قنوات البي بي سي الناطقة بالانجليزية، فهي موجهة لرأي عام مختلف في توجهاته السياسية والثقافية فضلا عن التزامها الادبي بسياسة بريطانيا الحكومية، التي هي في الواقع منحازة تاريخيا الى جانب اسرائيل،وقد تاكد ذلك مجددا من موقف لندن تجاه "محرقة غزة، لكن المشكلة ان بي بي سي تحمل شعار الحياد والنزاهة في التغطية الاعلامية الذي ترفعه اكثر مما يحتمل ،وقد تعرض هذا الشعار لنكسة كبيرة بعد رفض المحطة بث "نداء اغاثة " موجه من قبل ثلاثة عشر جمعية وهيئة خيرية وانسانية بريطاانية لجمع التبرعات لقطاع غزة المنكوب بالدمار الهائل الذي احدثه العدوان الاسرائيلي ،وتبرير المحطة لقرارها بانها لا تريد هز ثقة الراي العام بحيادها ونزاهتها ،فقد بدا ضعيفا وغير مقنع لاحد ،حتى لبعض الوزراء في الحكومة البريطانية وصحفيون سابقون في المحطة، بالاضافة الى الهيئات والنشطاء الذين يقفون وراء حملة الاغاثة، ولا يحتاج الامر الى فك طلاسم لمعرفة دوافع قرار" بي بي سي" ، فهي لا تريد ان تغضب اسرائيل ، فالنداء موجه اصلا الى المجتمع البريطاني ،ويتضمن صورا مؤثرا عن وحشية المجازر التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة وبضمن ذلك قتل عدد كبير من الاطفال والنساء والمدنيين العزل وتشريد الاف العائلات بعد هدم بيوتها ، ولا شك ان من يشاهد النداء سيدرك ان هذه الكارثة ليسي ناتجة عن زلزال او اعصار، وانما بفعل العدوان الاسرائيلي ، وذلك يتضمن ادانة ضمنية للدولة المدللة من قبل الدول الغربية !،ومن الواضح ان بي بي سي ارادت تجنب وجع الراس الناتج عن الضغوط الاسرائيلية والصهيونية ،فتهمة "معاداة السامي" جاهزة لكل من ينتقد اسرائيل ،اما غضب العرب والمسلمن والاستخفاف بمشاعرهم مسألة لا تستحق الاهتمام ،ثم لماذا سبقان بثت المحطة نداء لجمع تبرعات لمساعدة دارفور اليس ذلك اقليم سوداني يشهد ازمة انسانية وامنية تتعدد بشأنها وجهات النظر والتدخلالت الخارجية؟ ولو كان نداء الاستغاثة يتعلق مثلا بجمع مساعدات لسكان بلدة سيديروت الاسرائيلية ،بزعم انهم تضرروا بسبب تساقط صواريخ فلسطيية بدائية الصنع ،فهل ستمتنع بي بي سي عن بث النداء،يضاف الى ذلك بان تغطية بي بي سي باللغة الانجليزية للعدوان الاسرائيلي على غزة كغيرها من كبريات وسائل الاعلام الغربية كانت منحازة ضمنا لاسرائيل وتساوي بين المجرم والضحية، وتحصر المسألة برد اسرائيلي على الصواريخ الفلسطينية ، وكانت التغطية سريعة لا تتجاوز بضع دقائق في نشرة الاخبارالواحدة ولا تحظى بالاولوية التي تستحقها، وتتعاطى مع ما يجري كمباراة كرة قدم ، وكأن المذبحة هي حرب بين جيشين متكافئين!.
Theban100@ hotmail.com
الراي