خرج الأكراد على ظِلهم المسموح لهم السير به وفق مسافاته، تجاوزوا في سؤال الاستفتاء حدود إقليمهم، والسؤال كان: هل تؤيد استقلال اقيلم كردستان والمناطق الكردية؟ كان العراق المركزي قد قبل للأكراد منذ زمن بشبه استقلال، لكن المناطق التي قال الأكراد في سؤالهم أنها كردية، هي مشتركة الأعراق والقوميات فيها أكراد وفيها تركمان وفيها عرب.
المسار الكردي كان ضرورياً لمسعود بارزاني،والذي بخطوته التي لم يعد باستطاعته التخلي عنها، أكدّ زعامته حتى وإن كانت خطوة قد تُنهي وجوده أو تجلب له مزيداً من الخصومات، أو تحاصره من قبل جيرانه، فالرجل يريد أن يكون الرقم الأول في أربيل والسليمانية حيث الحزب المنافس، ويريد أن يقول لمن ترددوا وعارضوا التجديد له بعد العام 2015 انه قادر على ربط مستقبله كله بمصير القضية الكردية.
برزاني أيضاً لا يتصور بأن تنتهي زعامته للإقليم والتي بدأت عام 2005 باختيار من داخل البرلمان، ثمّ انتخب رئيساً في انتخابات مباشرة جرت عام 2009، حصل فيها على 69% من اصوات الناخبين، وفي 2013 تم تجديد ولايته لمدة عامين عقب خلافات بين الأحزاب الكردية بشأن إجراء استفتاء على مشروع دستور للإقليم، وفي 2015 واجه الإقليم أزمة حكم انتهت ببقاء الرجل في سدة الرئاسة، آنذاك كانت حرب داعش عامل بقاء له، أما وقد انتهت الحرب، فلعل الأمور تختلف، خاصة بعد تلويح المرجعية الشيعية برفض الانفصال؟
فهل كان برزاني يدرك أن عدم وجوده رئيسا قد يأتي بحكم ديمقراطي مباشر بالإقليم ويتبعه سياسات إصلاحية زراعية تعيد الأراضي التي ملكها من والده، للملاك والفلاحين الحقيقيين. حيث كان والده قد أدرك ذلك ايام عبدالكريم قاسم الذي جاء بسياسات الإصلاح الزراعي وعرف أن معنى تلك الخطوة هو تجريد العائلة من املاكها الواسعة والموروثة من زمن الاقطاع، فكيف هي الحال اليوم وكل أربيل بيد بزراني وابنائه واصهاره؟.
ليس أمر دولة كردستان المعلنة من طرف واحد هو مجال النقاش هنا، وعن مجال نجاح الدولة وبقائها، في ظل وضع اقليمي غير مستقر، وفي التاريخ يعرف بزراني أن جمهورية أكراد إيران المسماه جمهورية «مهاباد» والتي اعلنت 1946 في ايران لم تستمر إلا 11 شهراً، وآنذاك قبضت السلطات الإيرانية على المؤسسين قاضي محمد واعدمته أما مصطفى برزاني فقد تمكن من الهرب؟
هل أخطأ برزاني بتقديرات التاريخ، والحاضر، هل عولَ على أمريكا الترامبية كثيراً، أم أنه لا يريد تكرار أزمة التجديد له عام 2015؟ وهل يريد بقاء الحكم العائلي وامتيازاته مع رغبته بتعطيل إضافي للبرلمان وحجب للمعارضة؟
الاستفتاء والعناد لأجله، رفع الرجل للقمة، وكل ذلك قد يبدو سبباً لإصراره على الاستفتاء حتى ولو كانت بمثابة الخيار الأخير في حياته السياسية ومسيرته النضالية، وفي عدم قدرته على تلمس درب النزول عن القمة بسلام أو الحفاظ عليها؟
لكن ما يفيد بزراني، هو أن العرب في حالة ظَلال وضياع، حتى وإن تجاوز الاكراد حدود ظِلهم الجغرافي!
الدستور