إصلاح إداري يُعطّله إعلام منتهي الصلاحية
ماجدة المعايطة
30-09-2017 02:27 PM
بالمقارنة مع ما تشهده قاعات الفنادق الكبرى في عمان والبحر الميت من تتابع الندوات والمحاضرات التي تتفاوت تقييمات جدواها، فإن برنامج جامعة اليرموك/ إربد لعقد مؤتمر في شهر نوفمبر القادم عن "الإعلام والتحولات السياسية في الشرق الأوسط" حظي بوقع خاص، يميزه أن القضية المطروحة فيه تشكّل واحدة من مفاصل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تتفق معظم الآراء الجادة على أنه برنامج إقليمي مُتعّثر بسبب غياب الإرادة الحقيقية.
في الذي نُشر من برنامج ومحاور مؤتمر "الإعلام والتحولات السياسية"، إشارات إلى رؤية واضحة مفادها أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة إعلام حقيقي يمارس وظيفته الديمقراطية في الرقابة والضغط التنفيذي. ومثل هذه الرؤية الواضحة لدور ووظيفة الإعلام إن جرى تناولها بالجدّية الأكاديمية المعروفة عن قسم الإعلام في جامعة اليرموك، لعلّها تحرك من المياه المحلية الراكدة ما عجزت عنه ندوات ومقالات وكتب شتى، جرى المشاركة بها أو قراءتها دون أن تزحزح ساكناً.
كذلك إن توفر لهذا المؤتمر ما يستحقه من حشد المُدخلات وتعزيز المخرجات، فربما يؤدي إلى إدراج الإعلام الأردني ضمن منظومة الحديث المتكرر، منذ سنوات عن الإصلاح الإداري، وهو الذي جعلته الحكومة مؤخراً ضمن برنامجها المُلزم والذي يستوجب المتابعة والتأكد من جديته.
فالإصلاح الإداري الذي تلتزم به الحكومة لتصحيح الخلل الذي تراكم على مدى سنوات، وجعل البلد تتأخر تباعاً على قوائم الشفافية ومكافحة الفساد، وعلى التراجع في مقاييس التنافسية في العمل العام،... هذا الإصلاح للفساد الإداري المتفق عليه، لا يمكن أن يتحقق بدون أن يأخذ الإعلام محله ووظيفته المفترضة في مكافحة الفساد والإفساد.
لا اعتقد أن ذوي الاختصاص والموضوعية، يختلفون على أن الإعلام في الأردن يشكّل سلطة رابعة أو خامسة لكنها سلطة منتهية الصلاحية. ليس فقط لغياب الإرادة بإشراك هذه السلطة في ورشة الإصلاح العام، وإنما أيضاً لأن العطب الإداري والوظيفي عميق في هذه القطاع، بما يشبه التواطؤ. ولذلك يشكو الجميع وأولهم مراكز القرار من أن هذا الإعلام لم يستطع أن يواكب المتغيرات السريعة في كل شيء، وأضحى لا يخاطب إلا مواطنيه الذين وجدوا منذ فترة طويلة بديلاً له في الفضاء الإقليمي والدولي المفتوح.
لقد أظهرت مناكفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الإعلام، وآخرها ما حصل مع فيسبوك وتويتر قبل أيام، أن الإعلام في كل الدنيا هو جزء من الدولة العميقة، وهي حقيقة وإن اعترض عليها البعض، إلا أنها بالنسبة للغالبية، ومنهم نحن، مصدر اطمئنان. ففي ذلك ضمانة بعدم الشطط في المسيرة العامة، حتى وإن اختلف الناس على حدود الحرية وسقفها.
عندنا نستشعر بما يكفي من الشواهد، أن الإعلام الأردني بشقيه العام والخاص، القديم من هذا الإعلام والجديد، غير مقنع للدولة العميقة. فقد فشل في صناعة رأي عام وفاعل، كما فشل في تجسير فجوة الثقة المتسعة بين الدولة والشارع. ولذلك فإنه عند بحث الإصلاح الإداري الحقيقي المفترض، لا بد أن يكون الإعلام في صلب البرنامج الحكومي، الذي يحتاج إلى ما يقنع الناس، ويقنع المشاركين في مؤتمر جامعة اليرموك بأنه إصلاح إداري يمتلك إرادة سياسية.
قبل أيام وفي سياق الفتوى الشرعية التي صدرت بتحريم الوظيفة التي تأتي عن طريق الواسطة، انتشرت نكتة تتساءل: كم بتقديركم هو عدد "الوظائف الحرام" التي حازها المدراء والموظفون في قطاع الإعلام؟