لا تجد في الاردن ، وسط النخب ، من يؤمن بما يقوله ، فهذه النخب ، في اغلبها ، مصابة ، بانفصام الشخصية ، وترى كثيرين يقولون ما لا يفعلون ، وقد تأسس مبدأ القفز عبر المراحل ، والتعامل معها ، باعتبارها مجرد "قميص" تخلعه وترسله الى الغسيل ، كلما دعت الحاجة وتعرف كم النخبة لدينا ، تدير رؤوس متخصصي علم النفس ، وربما ابرع المنجمين.
مناسبة الكلام ، ما تسمعه ، كل ليلة ، في سهرات ما بعد الثامنة مساء ، وفي العشاءات الاخيرة ، من جانب سياسيين واعلاميين ، ونواب وحزبيين ، فهذه الطبقة التي تصدر كل هذا الطنين والضجيج ، وتضم من خمسمائة شخص الى سبعمائة شخص ، ما بين من هو في وسط اللعبة ، او عند اطرافها ، تديرا كلاما في الكؤوس سبق ان سمعناه ، في كل المراحل السابقة ، وهي ذات المفردات ، وذات التقلبات ، وذات القدرة والرغبة على القفز ، من مرحلة الى مرحلة ، دون ان يتمسك الشخص ، بالحد الادنى من الاحترام ، والحرفية السياسية ، التي توجب بلورة الموقف على اساس سياسي ، وليس على اساس شخصي.
ما قاله زميلنا باسم سكجها ، في زاويته امس حول صيادي الجوائز ، في الصحافة ، يلخص القصة برمتها ، غير ان الامر ينسحب ايضا ، على طبقة "الكريما" التي تضم كل هؤلاء في المشهد السياسي ، ومدخلاته ، فقد فسدت الطبقة النخبوية ، بطريقة غير معهودة ، وحين تقرأ المشهد من زاوية الموقف من الحكومة الحالية ، تعرف كم هو المشهد مثير ، وفرق كبير بين ان اناقش انا من هو بديل الرئيس "اذا" قرر الملك تغيير الرئيس ، وبين من ينقلب على الرئيس ، انقلابا انتهازيا ، او يعتقد ان الواجب هو مهاجمته ، او تقليل انجازاته ، فالحكومة في النهاية ، هي حكومة الملك ، وتبقى اذا اراد ذلك ، وترحل حين يريد ذلك.
غسيل اليدين ، من مرحلة سابقة ، لا يؤشر الا على شيء واحد ، مضمونه ، انه على المرحلة اللاحقة ان تخشى هؤلاء ، وان تخشى ممن غسلوا ايديهم بسرعة ، من مرحلة ، بغية القفز على مرحلة ، فكما فعلوا ذلك ، سيفعلون بالمرحلة اللاحقة ، وحين تجلس الى شخصيات سياسية ، اليوم ، من رؤساء الحكومات السابقين ، ويحدثونك عن انفضاض الاهل والخلان ، وعن غدر الاصدقاء والزمان ، تفهم ، ان النخبة باتت انتهازية ، وعلاقتها بكل المراحل ، علاقة مؤقتة ، ومثل هذه النخب التي ترضى ان تدخل في مثل هذه العقود المؤقتة ، لم تعد تشعر انها تمارس عيبا ، فحتى الطرف الاخر ، الذي يدخل في العقد ، يقر ويعترف ويوقع انه امام عروس مستخدمة ، فما ان تنتهي مدة العقد ، حتى تبحث النخبة عن زوج جديد ، وحتى يبدأ الذكر السابق ، يبحث عن الخلان والاصدقاء ، فلا يجدهم.
المعنى ، ان النخب ، ومن يستأجر النخب ، ادخلونا ، في نفق مظلم ، حتى لم يعد للاردن وجود حقيقي في اجندة هؤلاء ، وكل ما يهمهم هو المكاسب والمنافع المتبادلة لكل الاطراف ، وهذا يفتح الباب امام مراجعات للتقاليد والاسس ، وهي التقاليد التي اشير اليها مرارا ، اذ ليس من مصلحتنا تكسيرها ، على الطريق ، ولا يكون ذلك الا باعادة انتاج المرحلة ، على مستويات مختلفة ، واعادة انتاج مستوى الخطاب والعلاقات بين مكونات النخبة ، ومن هو بحاجة الى النخبة ، ومتى تكون العلاقة بلا حدود ، ومتى تكون العلاقة محددة ، ومبدأ المنافع ، وجدواه ، ومتى تكون العلاقات محسوبة على اساس شخصي ، ام ان الشخصي يمثل العام ، في حالات اخرى ، ولماذا ايضا ، تغضب كل الرؤوس التي تخرج من مواقعها ، فنادرا ما تجد رئيس حكومة سابقا ، او وزيرا سابقا ، الا ويجن بعد خروجه من موقعه ، فيتفلت لسانه يمينا وشمالا.
حين ترى الناس ، كيف يفكرون وما هي همومهم ، تتأكد ان طبقة الخمسمائة ، لا تنظر الى هذه الجماهير ، فهي جماهير تتلقى رواتبها التقاعدية او الحالية ، وتجلس لتدخين سيجارة ، من النوع السيئ ، الذي يسبب القرحة فوق السرطان ، ومثل هذه الطبقة ، التي نخرتها اشكال الامراض السياسية ، يتوجب هدمها ، واعادة انتاج طبقة جديدة محترمة ، تؤمن بالاردن حق الايمان ، وتؤمن ان البلد يستحق ان نخدمه ، لا.. ان نخدم السادة الذين يقولون انهم يخدمونه ، خصوصا ، اننا نشهد بعيوننا اليوم ، كيف ان هناك فريقا يصفق دائما ، لكل مرحلة ، كيف ان هناك فريقا يبكي على كل مرحلة ، لكنه سرعان مايجفف دموعه ، مكفكفا اياه ، باحثا عن المركب الجديد ، أكان حكومة ام مسؤولا ، ام نجما صاعدا.
الحل هو في "فرط" هذه النخبة واعادة تشكيلها ، وان تعود كل الاطراف لممارسة ادوارها الاساسية ، دون ان يقفز احد على ظهر احد ، نظير اجرة الطريق ، وبغير ذلك ، سيبقى "زواج المتعة" مفتوحا لزبائن جدد من كل الاتجاهات.
m.tair@addustour.com.jo