العلاقات الأردنية الروسية وعمق المستقبل
د.حسام العتوم
30-09-2017 10:28 AM
لتسليط الضوء على عمق مستقبل العلاقات الأردنية الروسية ومنها العربية لا بد من العروج على الماضي والحاضر لاستشراق القادم. وأردنياً يسجل الفضل لعظيمنا الراحل الحسين، الملك الباني، طيب الله ثراه، في إيقاد شعلة بداية ماراثون هذه العلاقات الممكن وصفها بالمستقرة والوادعة والطيبة والهامة.
وكان من صافح اليد الأردنية أولاً في الزمن الروسي – السوفيتي هو الزعيم نيكيتا خروتشوف، وهكذا كانت البداية بتاريخ (21/8/1963)، وكان الهدف الأردني حكيماً، ورسم لإحداث توازن وسط صراعات أكبر دول العالم في أتون الحرب الباردة وعلى كافة المستويات. وأحدق الروس السوفييت أعينهم بأردننا باهتمام كبير وبالشأن العربي برمته قبل نكبة فلسطين عام 1948، وقبل نكسة حزيران عام 1967، وبعدها وحتى الآن، والأردن بلد مهم، وكذلك القطب العربي بالنسبة لروسيا وأمريكا ولكل دول العالم وهو المحتاج للوحدة بكل تأكيد.
ونعم، هي (54) عاماً مضت على العلاقات بين موسكو وعمان، وهي في تطور وازدهار مستمر. وكان أول سفير أردني حطت طائرته في عاصمة السوفييت هو السيد عبدالله زريقات، والسفير الحالي الجديد هو السيد أمجد العضايلة.
وكان أول سفير روسي – سوفييتي وصل إلى عمان في زمن الضفتين هو السيد بيتر جلوسارينكا، والسفير الروسي الحالي هو السيد بوريس بولوتين.
ومركز ثقافي سوفيتي بعمان ساهم في تدريس أكثر من (20) ألف طالباً أردنياً في الداخل السوفييتي لم يتم رصد رقمهم النهائي بعد من قبل أية جمعية أو نادي للخريجين حتى يومنا هذا. ومركز ثقافي روسي جديد للعلوم من أنشط مديريه المرحوم ألكسندر درافييف، والدكتور فاديم زايجيكوف، الذي غادرنا إلى بيروت مؤخراً، ومجموعة من الأندية والجمعيات والتنظيمات مثل ("ابن سينا" و"الصداقة، و"الأطباء"، و"الشبيبة" و"السيدات" و"عالم روسيا") المحتاجة لتوسيع شبكتها لتشمل كافة محافظات المملكة، ولضبط المنح الدراسية الواردة إليها، وكذلك المؤتمرات التي تعقد في روسيا لتصبح دورية يشارك فيها جميع النشطاء، ولإجراء انتخابات مؤسسية نزيهة، ولفتح المجال أمام اية تنظيمات جديدة تسجل قانونياً، ولإحداث توازن بين الأنشطة الأردنية والروسية المشتركة، وعدم حصرها بأن تكون روسية فقط أو في الغالب، ونشاط ناجح وملاحظ لسفارة الفدرالية الروسية بعمان، نتمنى أن يتطور تجاه تأسيس مكتب صحفي يعمل به صحفيون أردنيون إلى جانب الدبلوماسية الروسية، وتوجيه الدروع المهداة والمقدمة من الجانب الروسي لنشطاء الأندية والجمعيات لتصبح للمؤسسات وليس للأفراد. وفي مثل هكذا خطوة ضرورة مهنية.
والاقتراب السوفييتي بقيادة روسيا من الأردن والعرب لم يأتي دفعة واحدة، ولم يبدأ بإطلاق العلاقات معنا قبل منتصف ستينات القرن الماضي فقط، وإنما، وكما يكتب يفغيني بريماكوف، المفكر الروسي السوفيتي المعروف في كتابه (الشرق الأوسط على المسرح وخلف الستائر، ص257)، بأن السوفييت اعترفوا أولاً بإسرائيل وزودوها بالسلاح 1948–1949 بهدف – كما رأى ذلك الزعيم جوزيف ستالين بتحول المنطقة العربية إلى جزيرة اشتراكية، وهو ذاته الذي اقترح ترحيل إسرائيل عام 1950 إلى إقليم بارابيجان في أقصى شرق الاتحاد السوفييتي وإلى إقليم القرم/الكريم، لكنه لم يفلح بذلك. والولايات المتحدة ومعها إنجلترا وأوروبا كانوا دائماً على خط إسرائيل، وهو ما أنجح الاحتلالين الإسرائيلي لفلسطين، والجولان، ومزارع تلال شبعا، وتحويل الكيان الإسرائيلي إلى ترسانة نووية كشفها الخبير النووي الإسرائيلي من أصل مغربي جون كورسمان أو مردخاي قعنونو عبر صحيفة (ساندي تايمز) عام 1986. ومع هذا وذاك حرك الاتحاد السوفييتي (الفيتو) بوجه إسرائيل لاقترابها أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، ولتلويحها باستخدام سلاحها النووي إذا ما خسرت حرب سيناء. ومن نتائج الحراك السوفييتي في المنطقة تأسيس الحزب الشيوعي الأردني عام 1951، والفلسطيني عام 1923، والإسرائيلي عام 1965 تحت اسم (راكاح)، وغيرها من الأحزاب المشابهة وسط العرب، وما يهمنا الالتفات إليه هو الحزب الشيوعي الأردني وصحيفته (الجماهير) ورفعه لسقف مطالبه الجماهيرية بداية، واندماجه مع منظومة مؤسسات المجتمع المدني الأردني، وأحزاب اليسار لاحقاً، وتحقيقه لإنجازات وطنية من أهمها تحريك قضية طرد كلوب باشا ومعاونيه، وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1956، وهو الإنجاز الكبير الذي يسجل لملكنا الراحل الحسين العظيم في زمن كان ولا زال شعار الثورة العربية الكبرى (الوحدة والحرية والحياة الفضلى) هو السائد آنذاك، وحتى الآن. وتراجع ملحوظ للأحزاب العقائدية أمام غيرها المعاصرة في الأردن.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن روسيا المعاصرة بقيادة الرئيس بوتين دخلت إلى وسط العرب من البوابة السورية عام 2015 فقط، وهي التي لبست العباءة السوفييتية، وتقدمت صوبنا منتصف القرن الماضي. وكان لها حضوراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعيا وسطنا، طورته بعد انهيار البناء السوفييتي من التواجد الأيديولوجي الاشتراكي الشيوعي والمصالح الاقتصادية، ومنها العسكرية من زاوية توازنات الحرب الباردة العلنية مع الغرب الأمريكي آنذاك؛ خاصة بعد حقبة اجتياح أفغانستان عام 1979 والخروج من هناك – إلى مصالح اقتصادية ومواقف ذات علاقة بالحرب الباردة ذاتها، ولكن بطابع سري، وأعلنت في المقابل أي روسيا، نهاية الحرب الباردة مع الغرب وأمريكا تحديداً من طرف واحد، وبأن العالم لم يعد يحكمه القطب الواحد بل أقطاب متعددة السياسات والمصالح تنسجم وتختلف. وراقبت الحراك الأمريكي في شرقنا العربي ذات الوقت؛ فحاولت إنقاذ العراق سياسياً بجهد السياسة المحنكة لبريماكوف، وإقناع الشهيد صدام حسين لاحقاً بترك السلطة والذهاب لرئاسة حزب البعث؛ لأن حلف الناتو قادم لا محالة، والتشكيك الدولي بامتلاك العراق وقتها لسلاح التدمير الشامل في أوجه. والآن، وكما أتابع روسيا جاهزة لأن تلعب دوراً سياسياً جديداً في العراق، خاصة إذا ما دعيت إلى ذلك رسمياً، بهدف إنقاذه من وحل الإرهاب والمذهبية. وفي توجهها هذا حماية لحدودنا الأردنية من جهة الشرق.
وفي الشأن السوري المجاور لنا من الشمال استغرب ناسنا التداخل الروسي المفاجئ والمتأخر، الذي عقب الحضور الأمريكي السياسي والعسكري، الذي هدف بعد تدحرج الربيع العربي 2010/2011 وبعد دخول الإرهاب إليه إلى تنفيذ الخطة (ب) الرامية امريكياً لتكرار سيناريو العراق وليبيا الذي تخلله إعدام صدام والقذافي. فجاءت روسيا منقذة لسورية الوطن والدولة، ولم تهدف للاحتلال أو التقسيم، أو للاصطفاف المذهبي كما أشيع ولا زال إعلامياً. ووجهت روسيا ضربة قاضية للإرهاب، الذي خرجت أعداد منه من ديارها الروسية بعد تجنيده على أرضهم من طرف (حزب التحرير)، وبحجم وصل إلى (5000) مقاتل. وهو ما أكده السناتور ماروزوف في عمان. ولم تفرق روسيا حتى الساعة بين إرهاب عصابتي (داعش)، و(النصرة) بالمقارنة مع أمريكا التي أبقت على ورقة النصرة جانباً لتستخدمها كورقة سياسية رابحة، وتحولت إلى هيئة تنظيمات بديلة. ورغم التباين الروسي الأمريكي في ميدان الشرق الأوسط، وعلى خارطة العالم، أنجحت روسيا مؤتمر جنيف (I) واختلفت مع أمريكا على مصير الأسد، وأبقته لصناديق الاقتراع. وحولت مؤتمرات جنيف إلى الاستانا، بالتعاون مع كازخستان، واستضافت الأردن مراقباً، وأسست مركزاً أمنياً ولوجستياً مشتركاً في عمان، وحققت نجاحاً جديداً بالتعاون مع أمريكا والأردن في موضوع تثبيت مناطق خفض التصعيد، وهو الأمر الذي خدم الأردن وأمنه واستقراره وسورية أيضاً. وأصبح مفهوماً بأن الأردن لن يقبل بتواجد الإرهاب والميليشيات المذهبية بالقرب من حدوده الشمالية، وبأن أمن الأردن خط أحمر.
وعلى صعيد العلاقات السياسية الأردنية الروسية في وقتنا الحاضر نلاحظ بأنها أثمرت، وهي الآن في أوجها، وتفهم كبير لها من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني ومن الرئيس فلاديمير بوتين، ومن الخارجيتين الأردنية والروسية، وتواجد قوات روسية جوية وصاروخية وبحرية في سوريا تساهم في حماية حدودنا الأردنية إلى جانب جيشنا العربي الأردني الباسل، وزيارات ملكية أردنية ودبلوماسية لموسكو وأخرى روسية رئاسية ودبلوماسية لعمان لا تنقطع، وافتخار روسي بإهداء جلالة الملك عبدالله الثاني لقطعة من الأرض في منطقة المغطس لروسيا، والتي أشادت عليها كنيسة تعزز الحج المسيحي الروسي وغيره إلى هناك، ومفاعل نووي سلمي لأغراض التزود بالكهرباء ولتحلية المياه بجهد روسي ودولي تصل كلفته إلى (7) مليارات دولار، يقام على الأرض الأردنية الآن، وتواصل تقديم المنح الدراسية من قبل روسيا في مختلف التخصصات للطلبة الأردنية، بشروط جديدة، كما كان عليه في العهد السوفييتي، من حيث رفع نسب معدلات القبول في المعاهد والجامعات الروسية، وعلاقات اجتماعية روسية أردنية متميزة أنجبت أجيالاً عززت التبادل الثقافي وازدهاره، وتطور لامس اللغة الروسية في الأردن، التي تعتبر الثالثة انتشاراً فيه بعد العربية والإنجليزية، وترقية تدريسها إلى مرتبة البكالوريوس في الجامعة الأردنية، وتعاون بهذا الصدد مع مؤسسة صندوق عالم روسيا وزاوية خاصة بها حديثة التجهيز، وانسجام أردني روسي في شأن القضية الفلسطينية بواسطة إيجاد مخرج أمن لها عبر حل الدولتين، وهو الحل الأمثل للأردن والضامن لسيادته على مستوى الحدود، والمياه، وحماية المقدسات الدينية، وحق العودة والتعويض، وتجميد المستوطنات، وإطلاق سراح المعتقلين، واعتماد القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، واعتماد قرار مجلس الأمن (242)، وإسناد لمبادرة ملك المملكة العربية السعودية عبدالله بن عبدالعزيز في بيروت عام 2002، ودور دبلوماسي روسي وسط أزمة الخليج مريح للأردن، وخطوات روسية قادمة واعدة.